فصل: باب الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجُوزُ فِيهِمَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


باب صَلاَةِ الْمَرِيضِ

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ فَقِيلَ‏:‏ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَانِتِينَ مُطِيعِينَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاَةِ قَائِمًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ مَنْ أَطَاقَهَا فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ مُطِيقًا لِلْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا هُوَ إلَّا عِنْدَمَا ذَكَرْت مِنْ الْخَوْفِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ صَلَّى قَاعِدًا وَرَكَعَ وَسَجَدَ إذَا أَطَاقَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً فَجَاءَ فَقَعَدَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَأَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ وَهُوَ قَائِمٌ‏.‏

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيّ قَالَ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الصُّبْحَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَبَّرَ فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الْخِفَّةِ فَقَامَ يُفَرِّجُ الصُّفُوفَ قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ إذَا صَلَّى فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ الْحِسَّ مِنْ وَرَائِهِ عَرَفَ أَنَّهُ لاَ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ الْمَقَامَ الْمُقَدَّمَ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَنَسَ وَرَاءَهُ إلَى الصَّفِّ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ حَتَّى إذَا فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ‏:‏ «أَرَاك أَصْبَحْت صَالِحًا وَهَذَا يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ» فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُ وَجَلَسَ إلَى جَنْبِ الْحِجْرِ يُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ وَقَالَ‏:‏ «إنِّي وَاَللَّهِ لاَ يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ شَيْئًا إنِّي وَاَللَّهِ لاَ أُحِلُّ إلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلاَ أُحَرِّمُ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَصَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ اعْمَلاَ لِمَا عِنْدَ اللَّهِ؛ فَإِنِّي لاَ أُغْنِي عَنْكُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ قَاعِدًا وَمَنْ خَلْفَهُ قِيَامًا إذَا أَطَاقُوا الْقِيَامَ وَلاَ يَجْزِي مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا قَائِمًا وَكَذَلِكَ إذَا أَطَاقَ الْإِمَامُ الْقِيَامَ صَلَّى قَائِمًا وَمَنْ لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ مِمَّنْ خَلْفَهُ صَلَّى قَاعِدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا كُلُّ حَالٍ قَدَرَ الْمُصَلِّي فِيهَا عَلَى تَأْدِيَةِ فَرْضِ الصَّلاَةِ كَمَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ صَلَّاهَا وَصَلَّى مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَمَا يُطِيقُ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الْمُصَلِّي الْقُعُودَ وَأَطَاقَ أَنْ يُصَلِّيَ مُضْطَجِعًا صَلَّى مُضْطَجِعًا وَإِنْ لَمْ يُطِقْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ صَلَّى مُومِئًا وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ إيمَاءِ الرُّكُوعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا كَانَ بِظَهْرِهِ مَرَضٌ لاَ يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ وَيَمْنَعُهُ الرُّكُوعَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ وَأَجْزَأَهُ أَنْ يَنْحَنِيَ كَمَا يَقْدِرُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ بِظَهْرِهِ حَتَّى رَقَبَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مُسْتَوِيًا، أَوْ فِي شِقٍّ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ جَلَسَ أَوْمَأَ إيمَاءً‏.‏

وَإِنْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى صُدْغِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ عَلَى جَبْهَتِهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَوْ فِي شِقٍّ، ثُمَّ سَجَدَ عَلَى صُدْغِهِ وَكَانَ أَقْرَبُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ السُّجُودِ مُسْتَوِيًا، أَوْ عَلَى أَيِّ شِقَّيْهِ كَانَ لاَ يُجْزِيهِ أَنْ يُطِيقَ أَنْ يُقَارِبَ السُّجُودَ بِحَالٍ إلَّا قَارَبَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَرْفَعُ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا لِيَسْجُدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقَالُ لَهُ سَاجِدٌ حَتَّى يَسْجُدَ بِمَا يَلْصَقُ بِالْأَرْضِ فَإِنْ وَضَعَ وِسَادَةً عَلَى الْأَرْضِ فَسَجَدَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ‏:‏ رَأَيْت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْجُدُ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ رَمَدٍ بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ سَجَدَ الصَّحِيحُ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمَ لاَصِقَةٍ بِالْأَرْضِ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى رَبْوَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَرْفَعَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ لَمْ يُعِدْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الرُّكُوعِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ كَانَ فِي قِيَامِهِ رَاكِعًا وَإِذَا رَكَعَ خَفَضَ عَنْ قَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا مُسْتَلْقِيًا صَلَّى مُسْتَلْقِيًا يُومِئُ إيمَاءً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ حَالٍ أَمَرْتُهُ فِيهَا أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا يُطِيقُ فَإِذَا أَصَابَهَا بِبَعْضِ الْمَشَقَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا كَمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ إذَا أَطَاقَ الْقِيَامَ بِبَعْضِ الْمَشَقَّةِ قَامَ فَأَتَى بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَأُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ مَعَهَا شَيْئًا وَإِنَّمَا آمُرُهُ بِالْقُعُودِ إذَا كَانَتْ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ، أَوْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَالٍ وَهَكَذَا هَذَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لاَ يَخْتَلِفُ وَلَوْ أَطَاقَ أَنْ يَأْتِيَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى وَإِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ مُنْفَرِدًا قَائِمًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَلاَةِ الْإِمَامِ لاَ يَقْرَأُ بِأَطْوَلَ مِمَّا وَصَفْت إلَّا جَالِسًا، أَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ بِالْمَرَضِ فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ مَعَ الْإِمَامِ‏.‏

وَلَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي بَعْضٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي بَعْضٍ صَلَّى قَائِمًا مَا قَدَرَ وَقَاعِدًا مَا لَمْ يَقْدِرْ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ‏.‏

وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ قَائِمًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ جَلَسَ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ فَإِنْ كَانَ قَرَأَ بِمَا يُجْزِيهِ جَالِسًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إذَا قَامَ أَنْ يُعِيدَ قِرَاءَةً وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْءٌ قَرَأَ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا قَائِمًا، كَأَنْ قَرَأَ بَعْضَ أُمِّ الْقُرْآنِ جَالِسًا، ثُمَّ بَرِئَ فَلاَ يُجْزِيهِ أَنْ يَقْرَأَ جَالِسًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ مَا بَقِيَ قَائِمًا وَلَوْ قَرَأَهُ نَاهِضًا فِي الْقِيَامِ لَمْ يُجْزِهِ وَلاَ يُجْزِيهِ حَتَّى يَقْرَأَهُ قَائِمًا مُعْتَدِلاً إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَإِذَا قَرَأَ مَا بَقِيَ قَائِمًا، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ عُذْرٌ فَجَلَسَ قَرَأَ مَا بَقِيَ جَالِسًا فَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ إفَاقَةٌ قَامَ وَقَرَأَ مَا بَقِيَ قَائِمًا وَلَوْ قَرَأَ قَاعِدًا أُمَّ الْقُرْآنِ وَشَيْئًا مَعَهَا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا فَإِنْ قَرَأَ قَائِمًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فَرَكَعَ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتُهُ وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَهُوَ يُطِيقُ ذَلِكَ وَسَجَدَ أَلْغَى هَذِهِ الرَّكْعَةَ وَالسَّجْدَةَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ فَيَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ قِرَاءَةٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى يَقُومَ فَيَقْرَأَ، ثُمَّ يَرْكَعَ ثُمَّ يَسْجُدَ لَمْ يَعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي قَرَأَ فِيهَا وَسَجَدَ فَكَانَ السُّجُودُ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَانَتْ سَجْدَةً وَسَقَطَتْ عَنْهُ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ وَاعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي لَمْ يَعْتَدِلْ فِيهَا قَائِمًا، فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ لَوْ سَهَا فَانْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ صَلاَتَهُ كَبَّرَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَأَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ يَطُولُ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الصَّلاَةَ وَهَكَذَا هَذَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ وَشَيْءٍ مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ أَطَاقَهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ كَمَا أَطَاقَهُ‏.‏

وَلَوْ أَطَاقَ سَجْدَةً فَلَمْ يَسْجُدْهَا وَأَوْمَأَ إيمَاءً سَجَدَهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَعْدَهَا وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا وَأَوْمَأَ بِهَا وَهُوَ يُطِيقُ سُجُودَهَا، ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَ مَا رَكَعَ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَسَجَدَهَا، ثُمَّ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ بَعْدَهَا لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَةً فَتِلْكَ السَّجْدَةُ مَكَانَ الَّتِي أَطَاقَهَا وَأَوْمَأَ بِهَا فَقَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَكَانَهَا وَلَمْ يَعْتَدَّ بِالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا سَجْدَةٌ قَبْلَ رُكُوعٍ وَإِنَّمَا تَجْزِي عَنْهُ سَجْدَةٌ مَكَانَ سَجْدَةٍ قَبْلَهَا تَرَكَهَا، أَوْ فَعَلَ فِيهَا مَا لاَ يُجْزِيهِ إذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الَّتِي بَعْدَهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ‏.‏

فَأَمَّا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ وَأَوْمَأَ بِهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَهَا سَجْدَةً مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ، أَوْ سَجْدَةَ سَهْوٍ، لاَ يُرِيدُ بِهَا صُلْبَ الصَّلاَةِ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ مِنْ السَّجْدَةِ الَّتِي تَرَكَ، أَوْ، أَوْمَأَ بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْأَمَةُ يُصَلِّينَ مَعًا بِغَيْرِ قِنَاعٍ، ثُمَّ يُعْتَقْنَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلْنَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَقَنَّعْنَ وَيُتْمِمْنَ الصَّلاَةَ فَإِنْ تَرَكْنَ الْقِنَاعَ بَعْدَ مَا يُمْكِنُهُنَّ أَعَدْنَ تِلْكَ الصَّلاَةَ وَلَوْ صَلَّيْنَ بِغَيْرِ قِنَاعٍ وَقَدْ عَتَقْنَ لاَ يَعْلَمْنَ بِالْعِتْقِ أَعَدْنَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّيْنَهَا بِلاَ قِنَاعٍ مِنْ يَوْمِ عَتَقْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَنْ يُحِطْنَ بِالْعِتْقِ فَيَرْجِعْنَ إلَى الْيَقِينِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ مِنْهُنَّ مُكَاتَبَةٌ عِنْدَهَا مَا تُؤَدِّي وَقَدْ حَلَّتْ نُجُومُهَا فَصَلَّتْ بِلاَ قِنَاعٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهَا وَأَجْزَأَتْهَا صَلاَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لاَ تُعْتَقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهَا أَنْ تَبْقَى رَقِيقًا وَإِنَّمَا أَرَى أَنَّ مُحَرَّمًا عَلَيْهَا الْمَطْلُ وَهِيَ تَجِدُ الْأَدَاءَ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِأَمَةٍ لَهُ‏:‏ أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت فِي يَوْمِكَ هَذِهِ الدَّارَ فَتَرَكَتْ دُخُولَهَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى الدُّخُولِ حَتَّى صَلَّتْ بِلاَ قِنَاعٍ، ثُمَّ دَخَلَتْ، أَوْ لَمْ تَدْخُلْ لَمْ تُعِدْ صَلاَتَهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْهَا قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ شِئْت فَصَلَّتْ وَتَرَكَتْ الْمَشِيئَةَ ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَعْدُ لَمْ تُعِدْ تِلْكَ الصَّلاَةَ‏.‏

وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْ الْغُلاَمِ الْحُلُمُ فَدَخَلَ فِي صَلاَةٍ فَلَمْ يُكْمِلْهَا حَتَّى اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مَوْلِدِهِ فَأَتَمَّهَا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْفَرَائِضِ فِي وَقْتِ صَلاَةٍ فَلَمْ يُصَلِّهَا بِكَمَالِهَا بَالِغًا وَلَوْ قَطَعَهَا وَاسْتَأْنَفَهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَلَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ فَوْتِ عَرَفَةَ، أَوْ احْتَلَمَ مَضَى فِي حَجِّهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا وَلَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى احْتَلَمَ، أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ أَحْبَبْت أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعِيدَهُ؛ لِمَا وَصَفْت وَلاَ يَعُودُ لِصَوْمٍ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَتَّى مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ وَكَذَلِكَ لاَ يَعُودُ لِصَلاَةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَضَتْ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَكُلِّ صَلاَةٍ غَيْرِ الَّتِي تَلِيهَا‏.‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ صَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِ الَّذِي يَلِيهِ وَلاَ يُبَيَّنُ أَنَّ هَذَا عَلَيْهِ فِي الصَّلاَةِ وَلاَ فِي الصَّوْمِ فَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَبَيِّنٌ‏.‏

باب جِمَاعِ الْأَذَانِ

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَذَانَ لِلصَّلاَةِ وَذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَكَانَ بَيِّنًا- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنَّهُ أَرَادَ الْمَكْتُوبَةَ بِالْآيَتَيْنِ مَعًا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ لِلْمَكْتُوبَاتِ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَذَانِ لِغَيْرِ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ بَلْ حَفِظَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ فِي الْعِيدَيْنِ الْمُؤَذِّنَ فَيَقُولُ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ وَلاَ أَذَانَ إلَّا لِمَكْتُوبَةٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ لاَ إقَامَةَ فَأَمَّا الْأَعْيَادُ وَالْخُسُوفُ وَقِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ‏.‏ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ إلَّا تَرْكَ الْأَفْضَلِ وَالصَّلاَةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَكُلُّ نَافِلَةٍ غَيْرِ الْأَعْيَادِ وَالْخُسُوفِ بِلاَ أَذَانٍ فِيهَا وَلاَ قَوْلِ‏:‏ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ‏.‏

باب وَقْتِ الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»‏.‏ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ‏:‏ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلصُّبْحِ بِلَيْلٍ لِيُدْلِجَ الْمُدْلِجُ وَيَتَنَبَّهَ النَّائِمُ فَيَتَأَهَّبَ لِحُضُورِ الصَّلاَةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ أَذَانِهَا كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يُؤَذَّنُ لِصَلاَةٍ غَيْرِ الصُّبْحِ إلَّا بَعْدَ وَقْتِهَا؛ لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حَكَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَذَّنَ لَهُ لِصَلاَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا غَيْرَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَزَلْ الْمُؤَذِّنُونَ عِنْدَنَا يُؤَذِّنُونَ لِكُلِّ صَلاَةٍ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلَّا الْفَجْرَ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُتْرَكَ الْأَذَانُ لِصَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ انْفَرَدَ صَاحِبُهَا، أَوْ جَمَعَ وَلاَ الْإِقَامَةُ فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً كَبُرَ وَلاَ صَغُرَ وَلاَ يَدَعُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَلاَ سَفَرِهِ وَأَنَا عَلَيْهِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ الْعِظَامِ أَحَظُّ‏.‏ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُكْمِلَ الْأَذَانَ لِكُلِّ صَلاَةٍ غَيْرِ الصُّبْحِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَإِنْ أَذَّنَ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَعَادَ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِنْ افْتَتَحَ الْأَذَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ عَادَ فَاسْتَأْنَفَ الْأَذَانَ مِنْ أَوَّلِهِ وَإِنْ أَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا مَضَى مِنْهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلاَ يُكْمِلُ الْأَذَانَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَلاَءِ وَبَعْدَ وَقْتِ الصَّلاَةِ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الْأَذَانِ شَيْئًا عَادَ إلَى مَا تَرَكَ ثُمَّ بَنَى مِنْ حَيْثُ تَرَكَ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قَدَّمَ مِنْهُ، أَوْ أَخَّرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ فَلَوْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ أَكْمَلَ الْأَذَانَ أَعَادَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَكْبَرُ الَّتِي تَرَكَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يُكْمِلَ الْأَذَانَ، ثُمَّ يَجْهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَذَانِ وَيُخَافِتَ بِشَيْءٍ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا وَصَفْت بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِلَفْظِ الْأَذَانِ كَامِلاً فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يَكُونُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا خَافَتَ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا يُجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ عَادَ فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ أَعَادَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْأَذَانِ كُلِّهِ فَيَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ مَوْضِعَهُ وَمَا وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَعَادَهُ فِي مَوْضِعِهِ‏.‏

باب عَدَدِ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْزَاقِهِمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أُحِبُّ أَنْ يُقْتَصَرَ فِي الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّا، إنَّمَا حَفِظْنَا أَنَّهُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ وَلاَ يَضِيقُ أَنْ يُؤَذِّنَ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ اُقْتُصِرَ فِي الْأَذَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ وَلاَ أُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَنْ يُبْطِئَ بِالصَّلاَةِ لِيَفْرُغَ مَنْ بَعْدَهُ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ وَيَقْطَعُ مَنْ بَعْدَهُ الْأَذَانَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْمُؤَذِّنِينَ لِيُؤَذِّنُوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلاَ يَنْتَظِرَهُمْ بِالْإِقَامَةِ وَأَنْ يَأْمُرَهُمْ فَيُقِيمُوا فِي الْوَقْتِ وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُؤَذِّنٌ بَعْدَ مُؤَذِّنٍ وَلاَ يُؤَذِّنُ جَمَاعَةٌ مَعًا‏.‏ وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا كَبِيرًا لَهُ مُؤَذِّنُونَ عَدَدٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي كُلِّ مَنَارَةٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ فَيُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ مُتَطَوِّعِينَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَلاَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُؤَذِّنُ لَهُ مُتَطَوِّعًا مِمَّنْ لَهُ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ مَالِهِ وَلاَ أَحْسَبُ أَحَدًا بِبَلَدٍ كَثِيرِ الْأَهْلِ يَعُوزُهُ أَنْ يَجِدَ مُؤَذِّنًا أَمِينًا لاَزِمًا يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَلاَ يَرْزُقَهُ إلَّا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّهِ مَالِكًا مَوْصُوفًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا وَيَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَخْذُ الرِّزْقِ إذَا رُزِقَ مِنْ حَيْثُ وَصَفْت أَنْ يُرْزَقَ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ رِزْقٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يُؤَذِّنُ إلَّا عَدْلٌ ثِقَةٌ لِلْإِشْرَافِ عَلَى عَوْرَاتِ النَّاسِ وَأَمَانَاتِهِمْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ بَصِيرًا بِالْوَقْتِ لَمْ أَكْرَهْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَعْمَى وَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا مُنْفَرِدًا وَمَعَهُ مَنْ يُعْلِمُهُ الْوَقْتَ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ كَرِهْتُهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُبْصِرُ‏.‏

وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مُؤَذِّنٌ أَجْزَأَ وَمَنْ أَذَّنَ مِنْ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَحُرٍّ، أَجْزَأَ‏.‏ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ الْمَجْبُوبُ وَالْأَعْجَمِيُّ إذَا أَفْصَحَ بِالْأَذَانِ وَعَلِمَ الْوَقْتَ وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ خِيَارَ النَّاسِ‏.‏

وَلاَ تُؤَذِّنُ امْرَأَةٌ وَلَوْ أَذَّنَتْ لِرِجَالٍ لَمْ يَجُزْ عَنْهُمْ أَذَانُهَا وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَإِنْ جَمَعْنَ الصَّلاَةَ وَإِنْ أُذِّنَ فَأَقَمْنَ فَلاَ بَأْسَ‏.‏ وَلاَ تَجْهَرُ الْمَرْأَةُ بِصَوْتِهَا تُؤَذِّنُ فِي نَفْسِهَا وَتُسْمِعُ صَوَاحِبَاتِهَا إذَا أَذَّنَتْ وَكَذَلِكَ تُقِيمُ إذَا أَقَامَتْ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَتْ الْإِقَامَةَ لَمْ أَكْرَهْ لَهَا مِنْ تَرْكِهَا مَا أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ تُقِيمَ‏.‏

وَأَذَانُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ وَإِقَامَتُهُ سَوَاءٌ كَهُوَ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ فِي الْحِكَايَةِ وَسَوَاءٌ أَسْمَعَ الْمُؤَذِّنِينَ حَوْلَهُ، أَوْ لَمْ يُسْمِعْهُمْ وَلاَ أُحِبُّ لَهُ تَرْكَ الْأَذَانِ وَلاَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ دَخَلَ مَسْجِدًا أُقِيمَتْ فِيهِ الصَّلاَةُ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ فِي نَفْسِهِ‏.‏

باب حِكَايَةِ الْآذَانِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ حِينَ جَهَّزَهُ إلَى الشَّامِ قَالَ فَقُلْت لِأَبِي مَحْذُورَةَ أَيْ عَمِّ إنِّي خَارِجٌ إلَى الشَّامِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ أُسْأَلَ عَنْ تَأْذِينِكَ فَأَخْبِرْنِي، قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ خَرَجْت فِي نَفَرٍ فَكُنَّا فِي بَعْضِ طَرِيقِ حُنَيْنٍ فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ فَلَقَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَا صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْنُ مُتَّكِئُونَ فَصَرَخْنَا نَحْكِيهِ وَنَسْتَهْزِئُ بِهِ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّوْتَ فَأَرْسَلَ إلَيْنَا إلَى أَنْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَيُّكُمْ الَّذِي سَمِعْت صَوْتَهُ قَدْ ارْتَفَعَ‏؟‏» فَأَشَارَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ إلَيَّ وَصَدَقُوا فَأَرْسَلَ كُلَّهُمْ وَحَبَسَنِي‏.‏ فَقَالَ‏:‏ «قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلاَةِ»‏.‏ فَقُمْت وَلاَ شَيْءَ أَكْرَهُ إلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ فَقُمْت بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّأْذِينَ هُوَ نَفْسُهُ فَقَالَ‏:‏ «قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، ثُمَّ قَالَ لِي‏:‏ «ارْجِعْ وَامْدُدْ مِنْ صَوْتِكَ»، ثُمَّ قَالَ‏:‏ «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ»، ثُمَّ دَعَانِي حِينَ قَضَيْت التَّأْذِينَ فَأَعْطَانِي صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى نَاصِيَةِ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ أَمَرَّهَا عَلَى وَجْهِهِ‏.‏ ثُمَّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ عَلَى كَبِدِهِ، ثُمَّ بَلَغَتْ يَدُهُ سُرَّةَ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ وَبَارَكَ عَلَيْك»، فَقُلْت‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِالتَّأْذِينِ بِمَكَّةَ فَقَالَ‏:‏ «قَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ»‏.‏ فَذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَعَادَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَحَبَّةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمْت عَلَى عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ عَامِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذَّنْت بِالصَّلاَةِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَأَخْبَرَنِي ذَلِكَ مَنْ أَدْرَكْت مِنْ آلِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ وَأَدْرَكْت إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ كَمَا حَكَى ابْنُ مُحَيْرِيزٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَمِعْته يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى مَا حَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَمِعْته يُقِيمُ فَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحَسِبْتُنِي سَمِعْتُهُ يَحْكِي الْإِقَامَةَ خَبَرًا كَمَا يَحْكِي الْأَذَانَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ كَمَا حُكِيَتْ عَنْ آلِ أَبِي مَحْذُورَةَ فَمَنْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، أَوْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا أَعَادَ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا نَقَصَ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ سَوَاءٌ فِي الْأَذَانِ وَلاَ أُحِبُّ التَّثْوِيبَ فِي الصُّبْحِ وَلاَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ لَمْ يَحْكِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّثْوِيبِ فَأَكْرَهُ الزِّيَادَةَ فِي الْأَذَانِ وَأَكْرَهُ التَّثْوِيبَ بَعْدَهُ‏.‏

باب اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْأَذَانِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَذَانِهِ إلَّا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لاَ تَزُولُ قَدَمَاهُ وَلاَ وَجْهُهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ إيذَانٌ بِالصَّلاَةِ وَقَدْ وُجِّهَ النَّاسُ بِالصَّلاَةِ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ زَالَ عَنْ الْقِبْلَةِ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ، أَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ فِي الْأَذَانِ كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى طَهَارَةِ الصَّلاَةِ فَإِنْ أَذَّنَ جُنُبًا، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ يُعِدْ وَكَذَلِكَ آمُرُهُ فِي الْإِقَامَةِ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ كِلاَهُمَا غَيْرُ طَاهِرٍ كَرِهْتُهُ لَهُ وَهُوَ فِي الْإِقَامَةِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ فَيُصَلِّي النَّاسُ وَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيَكُونُ أَقَلُّ مَا صَنَعَ أَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ بِالِاسْتِخْفَافِ وَأَكْرَهُ أَذَانَهُ جُنُبًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِهِ إلَّا عَابِرُ سَبِيلٍ وَالْمُؤَذِّنُ غَيْرُ عَابِرِ سَبِيلٍ مُجْتَازٍ وَلَوْ ابْتَدَأَ بِالْأَذَانِ طَاهِرًا ثُمَّ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ ثُمَّ تَطَهَّرَ إذَا فَرَغَ مِنْهُ وَسَوَاءٌ مَا انْتَقَضَتْ بِهِ طَهَارَتُهُ فِي أَنْ يَبْنِيَ جَنَابَةً، أَوْ غَيْرَهَا فَإِنْ قَطَعَهُ، ثُمَّ تَطَهَّرَ ثُمَّ رَجَعَ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ‏.‏

باب الْكَلاَمِ فِي الْأَذَانِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأُحِبُّ الْمُؤَذِّنَ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ أَذَانِهِ فَإِنْ تَكَلَّمَ بَيْنَ ظَهَرَانِي أَذَانِهِ فَلاَ يُعِيدُ مَا أَذَّنَ بِهِ قَبْلَ الْكَلاَمِ كَانَ ذَلِكَ الْكَلاَمُ مَا شَاءَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا كَرِهْت لَهُ مِنْ الْكَلاَمِ فِي الْأَذَانِ كُنْت لَهُ فِي الْإِقَامَةِ أَكْرَهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِقَامَةِ لَمْ يُعِدْ الْإِقَامَةَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ كَلاَمِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سُكَاتٌ طَوِيلٌ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سُكَاتًا طَوِيلاً أَحْبَبْت لَهُ اسْتِئْنَافُهُ وَلَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافَ وَلَوْ أَذَّنَ بَعْضَ الْأَذَانِ ثُمَّ نَامَ، أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ ثُمَّ انْتَبَهَ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ أَحْبَبْت أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَطَاوَلَ ذَلِكَ، أَوْ قَصُرَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذَّنَ فِي بَعْضِ الْأَذَانِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ أَحْبَبْت أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَإِنْ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُؤَذِّنُ غَيْرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ اسْتَأْنَفَ وَلَمْ يَبْنِ عَلَى أَذَانِهِ قَرُبَ ذَلِكَ، أَوْ بَعُدَ، فَإِنْ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ لَمْ يُجْزِهِ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا الصَّلاَةَ يَبْنِي الْإِمَامُ فِيهَا عَلَى صَلاَةِ إمَامٍ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ فِي الصَّلاَةِ فَيُتِمُّ مَا عَلَيْهِ وَهَذَا لاَ يَعُودُ فَيُتِمُّ الْأَذَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا ابْتَدَأَ مِنْ الصَّلاَةِ كَانَ أَوَّلَ صَلاَتِهِ وَلاَ يَكُونُ بِأَوَّلِ الْأَذَانِ شَيْءٌ غَيْرَ التَّكْبِيرِ، ثُمَّ التَّشَهُّدِ وَلَوْ أَذَّنَ بَعْضَ الْأَذَانِ، أَوْ كُلَّهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ أَحْبَبْت أَنْ لاَ يُتْرَكَ يَعُودُ لِأَذَانٍ وَلاَ يُصَلَّى بِأَذَانِهِ وَيَؤُمُّ غَيْرُهُ فِيهِ فَيُؤَذِّنُ أَذَانًا مُسْتَأْنَفًا‏.‏

باب الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ غَيْرُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَذَّنَ الرَّجُلُ أَحْبَبْت أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ بِشَيْءٍ يُرْوَى فِيهِ أَنَّ مَنْ أَذَّنَ أَقَامَ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إذَا عُنِيَ بِالْأَذَانِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ وَإِذَا أَقَامَ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ مِنْ كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

باب الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ وَالصَّلَوَاتِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ قَالَ فَرَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَفَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَبِلاَلٌ مِنْ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلاَلٌ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ وَصَلَّى الْعَصْرَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ‏.‏ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلاَةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا‏}‏ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَلاً فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلاَتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا قَالَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ‏:‏ ‏{‏فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ، وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَذَّنَ لِلْأُولَى وَفِي الْآخِرَةِ يُقِيمُ بِلاَ أَذَانٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَمَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَمَعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْخَنْدَقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَوْ لَمْ يُجْزِئْ الْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا بِأَذَانٍ لَمْ يَدَعْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ بِالْأَذَانِ وَهُوَ يُمْكِنُهُ‏.‏

قال‏:‏ وَمَوْجُودٌ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ هَذَا فِي الْأَذَانِ وَكَانَ الْأَذَانُ غَيْرَ الصَّلاَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْإِقَامَةِ هَكَذَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الصَّلاَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ‏:‏ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»‏.‏ وَمَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الصَّلاَةِ فَقَدْ فَاتَهُ أَنْ يَحْضُرَ أَذَانًا وَإِقَامَةً وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُقِمْ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلاَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إقَامَةٍ فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مُنْفَرِدًا، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إقَامَةٍ وَكَذَلِكَ مَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَفَرَّقَ مِنْ الصَّلَوَاتِ‏.‏

باب اجْتِزَاءِ الْمَرْءِ بِأَذَانِ غَيْرِهِ وَإِقَامَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ لَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا قَالَ فَانْتَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الرَّجُلِ وَقَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «انْزِلُوا فَصَلُّوا فَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِإِقَامَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَنَقُولُ يُصَلِّي الرَّجُلُ بِأَذَانِ الرَّجُلِ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ وَبِإِقَامَتِهِ وَأَذَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَعْرَابِيًّا، أَوْ أَسْوَدَ، أَوْ عَبْدًا، أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ إذَا أَقَامَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ كُلُّهُمْ خِيَارَ النَّاسِ لِإِشْرَافِهِمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ عَلَى الْوَقْتِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَلاَتِهِمْ»‏.‏ وَذَكَرَ مَعَهَا غَيْرَهَا وَاسْتَحَبَّ الْأَذَانَ لِمَا جَاءَ فِيهِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنَيْنِ»‏.‏

باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْت بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِكَ جِنٌّ وَلاَ إنْسٌ إلَّا شَهِدَ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ لِلْمُؤَذِّنِ وَأُحِبُّ إذَا اُتُّخِذَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُتَّخَذَ صَيِّتَا وَأَنْ يُتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُسْمِعَ مَنْ لاَ يُسْمِعُهُ ضَعِيفُ الصَّوْتِ وَحُسْنُ الصَّوْتِ أَرَقُّ لِسَامِعِهِ وَالتَّرْغِيبُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ يَدُلُّ عَلَى تَرْتِيلِ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَبْلُغَ غَايَةً مِنْ صَوْتِهِ فِي كَلاَمٍ مُتَتَابِعٍ إلَّا مُتَرَسِّلاً وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَذَفَ وَرَفَعَ انْقَطَعَ فَأُحِبُّ تَرْتِيلَ الْأَذَانِ وَتَبَيُّنَهُ بِغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلاَ تَغَنٍّ فِي الْكَلاَمِ وَلاَ عَجَلَةٍ وَأُحِبُّ فِي الْإِقَامَةِ أَنْ تُدْرَجَ إدْرَاجًا وَيُبَيِّنَهَا مَعَ الْإِدْرَاجِ‏.‏

قال‏:‏ وَكَيْفَمَا جَاءَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَجْزَآ، غَيْرَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَا وَصَفْت‏.‏

باب الْكَلاَمِ فِي الْأَذَانِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ رِيحٍ يَقُولُ أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِهَذَا إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَذَانِهِ وَإِنْ قَالَهُ فِي أَذَانِهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِمَا يُشْبِهُ هَذَا خَلْفَ الْأَذَانِ مِنْ مَنَافِعِ النَّاسِ فَلاَ بَأْسَ وَلاَ أُحِبُّ الْكَلاَمَ فِي الْأَذَانِ بِمَا لَيْسَتْ فِيهِ لِلنَّاسِ مَنْفَعَةٌ وَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يُعِدْ أَذَانًا وَكَذَلِكَ إذَا تَكَلَّمَ فِي الْإِقَامَةِ كَرِهْتُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ إقَامَةٍ‏.‏

باب فِي الْقَوْلِ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ‏:‏ «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ»‏.‏ وَإِذَا قَالَ‏:‏ أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ «وَأَنَا»، ثُمَّ سَكَتَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ سَمِعْت مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ مِثْلَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ أَنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ‏:‏ إنِّي لَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ إذْ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمَا قَالَ مُؤَذِّنُهُ حَتَّى إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ قَالَ مُعَاوِيَةُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ‏.‏ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَبِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ نَقُولُ وَهُوَ يُوَافِقُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِيهِ تَفْسِيرٌ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَيَجِبُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الصَّلاَةِ مِنْ قَارِئٍ أَوْ ذَاكِرٍ أَوْ صَامِتٍ أَوْ مُتَحَدِّثٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، وَفِي حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَنْ كَانَ مُصَلِّيًا مَكْتُوبَةً، أَوْ نَافِلَةً فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْضِيَ فِيهَا وَأُحِبُّ إذَا فَرَغَ أَنْ يَقُولَ مَا أَمَرْت مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الصَّلاَةِ أَنْ يَقُولَهُ وَإِنْ قَالَهُ مُصَلٍّ لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا لِلصَّلاَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لاَ يَقُولَهُ‏.‏

باب جِمَاعِ لُبْسِ الْمُصَلِّي

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقِيلَ- وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ-‏:‏ إنَّهُ الثِّيَابُ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا قِيلَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»‏.‏ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا لاَبِسًا إذَا قَدَرَ عَلَى مَا يَلْبَسُ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُسْلِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ، وَالطَّهَارَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي الصَّلاَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ لاَ يُصَلِّي إلَّا فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَإِذْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَطْهِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ نَجَسٍ؛ لِأَنَّهُ يُصَلَّى فِيهِ وَعَلَيْهِ فَمَا يُصَلَّى فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُطَهَّرَ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قَالَ طَهِّرْ ثِيَابَكَ لِلصَّلاَةِ وَتَأَوَّلَهَا غَيْرُهُمْ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يُصَلِّي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ إلَّا مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ‏.‏

قال‏:‏ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّيَا فِي ثَوْبٍ غَيْرِ طَاهِرٍ أَعَادَا فَإِنْ صَلَّيَا وَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى مُوَارَاةِ عَوْرَتِهِمَا غَيْرَ مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ أَعَادَا عَلِمَا حِينَ صَلَّيَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فِي الْوَقْتِ، أَوْ غَيْرِ الْوَقْتِ، مَنْ أَمَرْتُهُ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا أَمَرْتُهُ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا وَارَى الْعَوْرَةَ غَيْرُ نَجَسٍ أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا دُونَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ لَيْسَ سُرَّتُهُ وَلاَ رُكْبَتَاهُ مِنْ عَوْرَتِهِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُغَطِّيَ فِي الصَّلاَةِ كُلَّ بَدَنِهَا مَا عَدَا كَفَّهَا وَوَجْهَهَا وَمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ نَجَسٌ، أَوْ يَحْمِلُ شَيْئًا نَجِسًا أَعَادَ الصَّلاَةَ وَإِنْ صَلَّى يَحْمِلُ كَلْبًا، أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ خَمْرًا أَوْ دَمًا أَوْ شَيْئًا مِنْ مَيْتَةٍ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ذَلِكَ، أَوْ كَثِيرُهُ وَإِنْ صَلَّى وَهُوَ يَحْمِلُ حَيًّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرَ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يُعِدْ حَيَّةً كَانَ، أَوْ غَيْرَ حَيَّةٍ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً أَعَادَ وَالثِّيَابُ كُلُّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَعْلَمَ فِيهَا نَجَاسَةً وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لاَ يَتَوَقَّوْنَ النَّجَاسَةَ وَلاَ يَعْرِفُونَهَا، أَوْ ثِيَابُ الْمُشْرِكِينَ كُلُّهَا، أَوْ أُزُرُهُمْ وَسَرَاوِيلاَتُهُمْ وَقُمُصُهُمْ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِيهِ الصَّلاَةَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ فِيهِ نَجَاسَةً وَهَكَذَا الْبُسُطُ وَالْأَرْضُ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تُعْلَمَ نَجَاسَةٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَوَقَّى ثِيَابَ الْمُشْرِكِينَ كُلَّهَا، ثُمَّ مَا يَلِي سِفْلَتِهِمْ مِنْهَا مِثْلُ الْأُزُرِ وَالسَّرَاوِيلاَتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَثَوْبُ أُمَامَةَ ثَوْبُ صَبِيٍّ‏.‏

باب كَيْفَ لُبْسُ الثِّيَابِ فِي الصَّلاَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يُصَلِّينَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَاحْتَمَلَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ يُصَلِّينَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهُ فَلَمَّا حَكَى جَابِرٌ مَا وَصَفْت وَحَكَتْ مَيْمُونَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُ عَلَيْهَا‏.‏ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى فِيمَا صَلَّى فِيهِ مِنْ ثَوْبِهَا مُؤْتَزِرًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَسْتُرُهُ أَبَدًا إلَّا مُؤْتَزِرًا بِهِ إذَا كَانَ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَعَلِمْنَا أَنَّ نَهْيَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ اخْتِيَارًا وَأَنَّهُ يُجْزِي الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ، وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا وَصَفْت وَكُلُّ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلَّا كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا وَظَهْرَ قَدَمَيْهَا عَوْرَةٌ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ فِي صَلاَتِهِ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ فِي صَلاَتِهَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا قَلَّ، أَوْ كَثُرَ وَمِنْ جَسَدِهَا سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَمَا يَلِي الْكَفَّ مِنْ مَوْضِعِ مِفْصَلِهَا وَلاَ يَعْدُوهُ، عَلِمَا أَمْ لَمْ يَعْلَمَا أَعَادَا الصَّلاَةَ مَعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَنْكَشِفُ بِرِيحٍ، أَوْ سَقْطَةٍ، ثُمَّ يُعَادُ مَكَانَهُ لاَ لُبْثَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَبِثَ بَعْدَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ إذَا عَاجَلَهُ مَكَانَهُ إعَادَتُهُ أَعَادَ وَكَذَلِكَ هِيَ‏.‏

قال‏:‏ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فِي السَّرَاوِيلِ إذَا وَارَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَالْإِزَارُ أَسْتَرُ وَأَحَبُّ مِنْهُ‏.‏

قال‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ إلَّا وَعَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ عِمَامَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا وَلَوْ حَبْلاً يَضَعُهُ‏.‏

باب الصَّلاَةِ فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ‏:‏ قُلْت‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَكُونُ فِي الصَّيْدِ أَفَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «نَعَمْ وَلْيَزُرَّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يُخِلَّهُ بِشَوْكَةٍ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ وَثِيَابُ الْقَوْمِ كَانَتْ صِفَاقًا فَإِذَا كَانَ الْقَمِيصُ صَفِيقًا لاَ يَشِفُّ عَنْ لاَبِسِهِ صَلَّى فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ وَزَرَّهُ، أَوْ خَلَّهُ بِشَيْءٍ، أَوْ رَبَطَهُ لِئَلَّا يَتَجَافَى الْقَمِيصُ فَيَرَى مِنْ الْجَيْبِ عَوْرَتَهُ، أَوْ يَرَاهَا غَيْرُهُ فَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ، أَوْ ثَوْبٍ مَعْمُولٍ عَمَلَ الْقَمِيصِ مِنْ جُبَّةٍ، أَوْ غَيْرِهَا غَيْرَ مَزْرُورٍ أَعَادَ الصَّلاَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ يُخَالِفُ الرَّجُلَ يُصَلِّي مُتَوَشِّحًا، التَّوَشُّحُ مَانِعٌ لِلْعَوْرَةِ أَنْ تُرَى وَيُخَالِفُ الْمَرْأَةَ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالْمِقْنَعَةِ، وَالْخِمَارُ وَالْمِقْنَعَةُ سَاتِرَانِ عَوْرَةَ الْجَيْبِ فَإِنْ صَلَّى الرَّجُلُ فِي قَمِيصٍ غَيْرِ مَزْرُورٍ وَفَوْقَهُ عِمَامَةٌ، أَوْ رِدَاءٌ، أَوْ إزَارٌ يَضُمُّ مَوْضِعَ الْجَيْبِ حَتَّى يَمْنَعَهُ مِنْ أَنْ يَنْكَشِفَ، أَوْ مَا دُونَهُ إلَى الْعَوْرَةِ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ لَمْ تُرَ عَوْرَتُهُ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى حَازِمًا فَوْقَ عَوْرَتِهِ بِحَبْلٍ، أَوْ خَيْطٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُمُّ الْقَمِيصَ حَتَّى يَمْنَعَ عَوْرَةَ الْجَيْبِ وَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ مَزْرُورًا وَدُونَ الْجَيْبِ، أَوْ حِذَاءَهُ شِقٌّ لَهُ عَوْرَةٌ كَعَوْرَةِ الْجَيْبِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ فِيهِ إلَّا كَمَا تُجْزِيهِ فِي الْجَيْبِ وَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ فِيهِ خَرْقٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَوْرَةِ وَإِنْ قَلَّ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ وَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ يَشِفُّ عَنْهُ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ وَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ فِيهِ خَرْقٌ عَلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ لَيْسَ بِوَاسِعٍ تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ تُرَى مِنْهُ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ فِيهِ وَهَكَذَا الْخَرْقُ فِي الْإِزَارِ يُصَلِّي فِيهِ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ فِي الْقَمِيصِ إلَّا وَتَحْتَهُ إزَارٌ، أَوْ سَرَاوِيلُ، أَوْ فَوْقَهُ سُتْرَةٌ فَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ يَصِفُهُ وَلَمْ يَشِفَّ كَرِهْت لَهُ وَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلاَةِ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ حَالاً مِنْ الرَّجُلِ إذَا صَلَّتْ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ يَصِفُهَا الدِّرْعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ تُصَلِّيَ إلَّا فِي جِلْبَابٍ فَوْقَ ذَلِكَ وَتُجَافِيهِ عَنْهَا لِئَلَّا يَصِفَهَا الدِّرْعُ‏.‏

باب مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مِمَّا يُلْبَسُ وَيُبْسَطُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَمِرَةً وَالنَّمِرَةُ صُوفٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى فِي الصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»‏.‏ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالسِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي رُوحٍ إذَا دُبِغَ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَيُصَلَّى فِي جِلْدِ كُلِّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْبُوغًا فَأَمَّا مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَذَكَاتُهُ وَغَيْرُ ذَكَاتِهِ سَوَاءٌ لاَ يُطَهِّرُهُ إلَّا الدِّبَاغُ وَجِلْدُ الذَّكِيِّ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ‏.‏

قال‏:‏ وَمَا قُطِعَ مِنْ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يُطَهِّرُهُ إلَّا الدِّبَاغُ، وَأَنْهَى الرِّجَالَ عَنْ ثِيَابِ الْحَرِيرِ فَمَنْ صَلَّى فِيهَا مِنْهُمْ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَإِنَّمَا تَعَبَّدُوا بِتَرْكِ لُبْسِهَا لاَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ أَثْمَانَهَا حَلاَلٌ وَإِنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَهَا وَيُصَلِّينَ فِيهَا وَكَذَلِكَ أَنْهَاهُمْ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ خَوَاتِيمَ وَغَيْرَ خَوَاتِيمَ وَلَوْ لَبِسُوهُ فَصَلَّوْا فِيهِ كَانُوا مُسِيئِينَ بِاللُّبْسِ عَاصِينَ إنْ كَانُوا عَلِمُوا بِالنَّهْيِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ صَلاَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَنْجَاسِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْأَنْجَاسَ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ وَالنِّسَاءُ يُصَلِّينَ فِي الذَّهَبِ‏.‏

باب صَلاَةِ الْعُرَاةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا غَرِقَ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا عُرَاةً كُلُّهُمْ، أَوْ سُلِبُوا فِي طَرِيقٍ ثِيَابَهُمْ، أَوْ احْتَرَقَتْ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ثَوْبًا وَهُمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، صَلَّوْا فُرَادَى وَجَمَاعَةً رِجَالاً وَحْدَهُمْ، قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ وَيَقُومُ إمَامُهُمْ وَسَطُهُمْ وَيَغُضُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَتَنَحَّى النِّسَاءُ فَاسْتَتَرْنَ إنْ وَجَدْنَ سِتْرًا عَنْهُمْ فَصَلَّيْنَ جَمَاعَةً أَمَّتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ وَيَغُضُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيَرْكَعْنَ وَيَسْجُدْنَ، وَيُصَلِّينَ قِيَامًا كَمَا وَصَفْت فَإِنْ كَانُوا فِي ضِيقٍ لاَ سِتْرَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَّيْنَ وُجُوهَهُنَّ عَنْ الرِّجَالِ حَتَّى إذَا صَلَّوْا وَلَّى الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْهُنَّ حَتَّى يُصَلِّينَ كَمَا وَصَفْت وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إعَادَةٌ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا فِي وَقْتٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمْ ثَوْبٌ أَمَّهُمْ إنْ كَانَ يُحْسِنُ يَقْرَأُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِن يَقْرَأُ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَعَارَ لِمَنْ بَقِيَ ثَوْبَهُ وَصَلَّوْا وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُعِيرَهُمْ ثَوْبَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَجْزِيهِمْ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ لَهُمْ مُكَابَرَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ فَإِنْ يُعِيرُهُ لِلنِّسَاءِ، أَوْجَبُ عَلَيْهِ وَيَبْدَأُ بِهِنَّ فَإِذَا فَرَغْنَ أَعَارَ الرِّجَالَ فَإِذَا أَعَارَهُمْ إيَّاهُ لَمْ يَسَعْ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ وَانْتَظَرَ صَلاَةَ غَيْرِهِ لاَ يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ لاَبِسًا فَإِنْ صَلَّى وَقَدْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عُرْيَانًا أَعَادَ، خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ، أَوْ لَمْ يَخَفْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ، أَوْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ نَجَسٌ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَتُجْزِيهِ الصَّلاَةُ عُرْيَانًا إذَا كَانَ ثَوْبُهُ غَيْرُ طَاهِرٍ وَإِذَا وَجَدَ مَا يُوَارِي بِهِ عَوْرَتَهُ مِنْ وَرَقٍ وَشَجَرٍ يَخْصِفُهُ عَلَيْهِ، أَوْ جِلْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِنَجَسٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ إلَّا مُتَوَارِي الْعَوْرَةِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يُوَارِي ذَكَرَهُ وَدُبُرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يُوَارِيَهُمَا مَعًا وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يُوَارِي أَحَدَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يُوَارِيَ مَا وَجَدَ إلَى مُوَارَاتِهِ سَبِيلاً وَإِذَا كَانَ مَا يُوَارِي أَحَدَ فَرْجَيْهِ دُونَ الْآخَرِ يُوَارِي الذَّكَرَ دُونَ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ لاَ حَائِلَ دُونَ الذَّكَرِ يَسْتُرُهُ وَدُونَ الدُّبُرِ حَائِلٌ مِنْ أَلْيَتَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فِي قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا وَإِذَا كَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ عُرْيَانَيْنِ أَحْبَبْت إنْ وَجَدَ مَا يُوَارِيهَا بِهِ أَنْ يُوَارِيَهَا؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ عَوْرَتِهِ وَإِنْ اسْتَأْثَرَ بِذَلِكَ دُونَهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتُجْزِئُهَا صَلاَتُهَا وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ لِيَسْتُرَهُ، أَوْ مَسَّتْ فَرْجَهَا لِتَسْتُرَهُ أَعَادَا الْوُضُوءَ مَعًا وَلَكِنْ لِيُبَاشِرَا مِنْ وَرَاءِ شَيْءٍ لاَ يُفْضِيَانِ إلَيْهِ‏.‏

باب جِمَاعِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلاَ يُصَلَّى مِنْ الْأَرْضِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَجَدْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِي فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا مُنْقَطِعٌ وَالْآخَرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ وَمَعْقُولٌ أَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْبَرَةَ مُخْتَلِطَةُ التُّرَابِ بِلُحُومِ الْمَوْتَى وَصَدِيدِهِمْ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ وَذَلِكَ مَيْتَةٌ وَإِنَّ الْحَمَّامَ مَا كَانَ مَدْخُولاً يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَوْلُ وَالدَّمُ وَالْأَنْجَاسُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمَقْبَرَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْبَرُ فِيهَا الْعَامَّةُ وَذَلِكَ كَمَا وَصَفْت مُخْتَلِطَةُ التُّرَابِ بِالْمَوْتَى وَأَمَّا صَحْرَاءُ لَمْ يُقْبَرْ فِيهَا قَطُّ قَبَرَ فِيهَا قَوْمٌ مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ، ثُمَّ لَمْ يُحَرَّكْ الْقَبْرُ فَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ إلَى جَنْبِ ذَلِكَ الْقَبْرِ، أَوْ فَوْقَهُ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ آمُرْهُ يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ بِأَنَّ التُّرَابَ طَاهِرٌ لَمْ يَخْتَلِطْ فِيهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قُبِرَ فِيهِ مَيِّتَانِ، أَوْ مَوْتَى فَإِنْ غَابَ أَمْرُهَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَنَّهَا مَقْبَرَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَقْبَرَةٍ وَأَنْ يَكُونَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا قَطُّ قَبْلَ مَنْ دُفِنَ فِيهَا وَلَمْ يَنْبُشْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِأَحَدٍ وَاَلَّذِي يُنَجِّسُ الْأَرْضَ شَيْئَانِ‏:‏ شَيْءٌ يَخْتَلِطُ بِالتُّرَابِ لاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ وَشَيْءٌ يَتَمَيَّزُ مِنْ التُّرَابِ وَمَا لاَ يَخْتَلِطُ مِنْ التُّرَابِ وَلاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ مُتَفَرِّقٌ فَإِذَا كَانَ جَسَدًا يَخْتَلِطُ بِالتُّرَابِ وَيُعْقَلُ أَنَّهُ جَسَدٌ قَائِمٌ فِيهِ كَلُحُومِ الْمَوْتَى وَعِظَامِهِمْ وَعَصَبِهِمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ لِغَلَبَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ وَكَيْنُونَتِهِ كَهُوَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يَخْتَلِطُ بِهَا هَذَا لاَ يُطَهَّرُ وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ الْمَاءُ وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَالْخَلاَءُ وَمَا فِي مَعَانِيهِمَا مِمَّا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ جَسَدًا قَائِمًا وَمِمَّا يُزَالُ إنْ كَانَ مُسْتَجْسِدًا فَيَزُولُ وَيُنَحَّى فَيَخْلُو الْمَوْضِعُ مِنْهُ مَا كَانَ تَحْتَهُ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِحَالِهِ وَشَيْءٌ يَكُونُ كَالْمَاءِ إذَا خَالَطَ التُّرَابَ نَشَّفَهُ، أَوْ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْأَرْضُ تَطْهُرُ مِنْ هَذَا بِأَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ حَتَّى يَصِيرَ لاَ يُوجَدُ وَلاَ يُعْقَلُ فِيهَا مِنْهُ جَسَدٌ وَلاَ لَوْنٌ‏.‏

باب الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَمُرَاحِ الْغَنَمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا أَدْرَكْتُكُمْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَاخْرُجُوا مِنْهَا فَصَلُّوا فَإِنَّهَا جِنٌّ، مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ أَلاَ تَرَوْنَهَا إذَا نَفَرَتْ كَيْفَ تَشْمَخُ بِآنَافِهَا وَإِذَا أَدْرَكْتُكُمْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ فَصَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا سَكِينَةٌ وَبَرَكَةٌ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مُرَاحِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ أَنَّ النَّاسَ يُرِيحُونَ الْغَنَمَ فِي أَنْظَفِ مَا يَجِدُونَ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِبِلُ تَصْلُحُ عَلَى الدَّقَعِ مِنْ الْأَرْضِ فَمَوَاضِعُهَا الَّتِي تُخْتَارُ مِنْ الْأَرْضِ أَدْقَعُهَا وَأَوْسَخُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمُرَاحُ وَالْعَطَنُ اسْمَانِ يَقَعَانِ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَعْطَنْ وَلَمْ يُرَوَّحْ إلَّا الْيَسِيرُ مِنْهَا فَالْمُرَاحُ مَا طَابَتْ تُرْبَتُهُ وَاسْتُعْمِلَتْ أَرْضُهُ وَاسْتَذْرَى مِنْ مَهَبِّ الشِّمَالِ مَوْضِعُهُ وَالْعَطَنُ قُرْبَ الْبِئْرِ الَّتِي تُسْقَى مِنْهَا الْإِبِلُ تَكُونُ الْبِئْرُ فِي مَوْضِعٍ وَالْحَوْضُ قَرِيبًا مِنْهَا فَيُصَبُّ فِيهِ فَيُمْلاَُ فَتُسْقَى الْإِبِلُ ثُمَّ تُنَحَّى عَنْ الْبِئْرِ شَيْئًا حَتَّى تَجِدَ الْوَارِدَةُ مَوْضِعًا فَذَلِكَ عَطَنٌ لَيْسَ أَنَّ الْعَطَنَ مُرَاحُ الْإِبِلِ الَّتِي تَبِيتُ فِيهِ نَفْسُهُ وَلاَ الْمُرَاحُ مُرَاحُ الْغَنَمِ الَّتِي تَبِيتُ فِيهِ نَفْسِهِ دُونَ مَا قَارَبَهُ وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا جِنٌّ، مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ»‏.‏ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَامَ عَنْ الصَّلاَةِ‏:‏ «اُخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّهُ وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ»‏.‏ فَكَرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي قُرْبِ الشَّيْطَانِ فَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قُرْبَ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ لاَ لِنَجَاسَةِ مَوْضِعِهَا‏.‏ وَقَالَ فِي الْغَنَمِ هِيَ مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ فَأَمَرَ أَنْ يُصَلَّى فِي مُرَاحِهَا يَعْنِي- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مُرَاحِهَا الَّذِي لاَ بَعْرَ فِيهِ وَلاَ بَوْلَ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ مَعْنًى غَيْرَهُمَا وَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِتَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّلاَئِلُ عَنْهُ عَنْ بَعْضِ هَذَا الْإِيضَاحِ‏.‏

قال‏:‏ فَمَنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ بَوْلٌ، أَوْ بَعْرُ الْإِبِلِ أَوْ غَنَمٍ أَوْ ثَلْطُ الْبَقَرِ أَوْ رَوْثُ الْخَيْلِ أَوْ الْحَمِيرِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ نَجَسٌ وَمَنْ صَلَّى قُرْبَهُ فَصَلاَتُهُ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ وَأَكْرَهُ لَهُ الصَّلاَةَ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَذَرٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَإِنْ صَلَّى أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَمَرَّ بِهِ شَيْطَانٌ فَخَنَقَهُ حَتَّى وَجَدَ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى يَدِهِ فَلَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ صَلاَتَهُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا جِنٌّ لِقَوْلِهِ‏:‏ «اُخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّهُ وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» اخْتِيَارٌ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْجِنُّ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْمَنَازِلِ وَلاَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَعَ أَنَّ الْإِبِلَ نَفْسَهَا إنَّمَا تَعْمِدُ فِي الْبُرُوكِ إلَى أَدْقَعِ مَكَان تَجِدُهُ وَإِنَّ عَطَنَهَا- وَإِنْ كَانَ غَيْرَ دَقَعٍ- فَحِصَّتُهُ بِمَبَارِكِهَا وَتَمَرُّغِهَا حَتَّى تُدْقِعَهُ، أَوْ تُقَرِّبَهُ مِنْ الْإِدْقَاعِ وَلَيْسَ مَا كَانَ هَكَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاخْتِيَارِ مِنْ النَّظَافَةِ لِلْمُصَلَّيَاتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَلَعَلَّ أَبْوَالَ الْإِبِلِ وَمَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَأَبْعَارَهُ لاَ تُنَجِّسُ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالصَّلاَةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ‏.‏ قِيلَ‏:‏ فَيَكُونُ إذًا نَهْيُهُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ أَبْوَالَهَا وَأَبْعَارَهَا تُنَجِّسُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَمَا ذَهَبْت إلَيْهِ وَلاَ يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ أَبْوَالَ الْغَنَمِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ؛ لِأَنَّ لُحُومَهَا تُؤْكَلُ قِيلَ‏:‏ فَلُحُومُ الْإِبِلِ تُؤْكَلُ وَقَدْ نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِهَا فَلَوْ كَانَ مَعْنَى أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاَةِ فِي مُرَاحِهَا عَلَى أَنَّ أَبْوَالَهَا حَلاَلٌ لَكَانَتْ أَبْوَالُ الْإِبِلِ وَأَبْعَارُهَا حَرَامًا وَلَكِنْ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا وَصَفْنَا‏.‏

باب اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ‏}‏ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَنَصَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ الْبَيْتَ وَالْمَسْجِدَ فَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ فَعَلَيْهِمْ اسْتِقْبَالُ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى مُسْتَقْبِلَهُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَوْلَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَدَلَّهُمْ بِالْعَلاَمَاتِ الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ وَالْعُقُولِ الَّتِي رَكَّبَ فِيهِمْ عَلَى قَصْدِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَقَصْدِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ قَصْدُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَالْفَرْضُ عَلَى كُلِّ مُصَلِّي فَرِيضَةً، أَوْ نَافِلَةً، أَوْ عَلَى جِنَازَةٍ، أَوْ سَاجِدٍ لِشُكْرٍ، أَوْ سُجُودِ قُرْآنٍ أَنْ يَتَحَرَّى اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ إلَّا فِي حَالَيْنِ أَرْخَصَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا سَأَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

كَيْفَ اسْتِقْبَالُ الْبَيْتِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَاسْتِقْبَالُ الْبَيْتِ وَجْهَانِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَيْتِ مِمَّنْ بِمَكَّةَ فِي مَسْجِدِهَا، أَوْ مَنْزِلٍ مِنْهَا أَوْ سَهْلٍ أَوْ جَبَلٍ فَلاَ تُجْزِيهِ صَلاَتُهُ حَتَّى يُصِيبَ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ صَوَابَ اسْتِقْبَالِهِ بِمُعَايَنَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ غَيْرُهُ الْبَيْتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ لاَ يَرَى الْبَيْتَ بِغَيْرِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ فِي حَالٍ لاَ يَجِدُ أَحَدًا يَسْتَقْبِلُهُ بِهِ صَلَّى وَأَعَادَ الصَّلاَةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنْ أَنَّهُ أَصَابَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ إذَا غَابَ عَنْهُ بِالدَّلاَئِلِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ مِنْ النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْجِبَالِ وَالرِّيَاحِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ عَلَى التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا وَصَلَّى فِي ظُلْمَةٍ وَاجْتَهَدَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَعَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ اسْتِقْبَالَهَا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ ظَنٍّ إلَى إحَاطَةٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَعْمَى فَاسْتَقْبَلَ بِهِ رَجُلٌ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ عَلِمَ بِخَبَرِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ بِهِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَإِنْ صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ حَائِلَةٍ دُونَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ اُسْتُقْبِلَ بِهِ وَهُوَ أَعْمَى، ثُمَّ شَكَّا أَنَّهُمَا قَدْ أَخْطَآ الْكَعْبَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا إعَادَةٌ، وَهُمَا عَلَى الصَّوَابِ إذَا حِيلَ دُونَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ حَتَّى يَعْلَمَا أَنْ قَدْ أَخْطَآ فَيُعِيدَانِ مَعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ لاَ يَرَى مِنْهُ الْبَيْتَ، أَوْ خَارِجًا عَنْ مَكَّةَ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَدَعَ كُلَّمَا أَرَادَ الْمَكْتُوبَةَ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي طَلَبِ صَوَابِ الْكَعْبَةِ بِالدَّلاَئِلِ مِنْ النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْجِبَالِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ وَكُلِّ مَا فِيهِ عِنْدَهُ دَلاَلَةٌ عَلَى الْقِبْلَةِ وَإِذَا كَانَ رِجَالٌ خَارِجُونَ مِنْ مَكَّةَ فَاجْتَهَدُوا فِي طَلَبِ الْقِبْلَةِ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمْ لَمْ يَسَعْ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَتْبَعَ اجْتِهَادَ صَاحِبِهِ وَإِنْ رَآهُ أَعْلَمَ بِالِاجْتِهَادِ مِنْهُ حَتَّى يَدُلُّهُ صَاحِبُهُ عَلَى عَلاَمَةٍ يَرَى هُوَ بِهَا أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ بِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ يَرْجِعُ إلَى مَا رَأَى هُوَ لِنَفْسِهِ آخَرَ إلَى اتِّبَاعِ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ وَيُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى جِهَتِهِ الَّتِي رَأَى أَنَّ الْقِبْلَةَ فِيهَا وَلاَ يَسَعُ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَأْتَمَّ بِوَاحِدٍ إذَا خَالَفَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَهُ‏.‏

قال‏:‏ فَإِذَا كَانَ فِيهِمْ أَعْمَى لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى حَيْثُ رَأَى أَنْ قَدْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَرَى شَيْئًا وَوَسِعَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ رَأَى لَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ تَبِعَ آمَنَهُمْ عِنْدَهُ وَأَبْصَرَهُمْ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ صَلَّى الْأَعْمَى بِرَأْيِ نَفْسِهِ، أَوْ مُنْفَرِدًا كَانَ فِي السَّفَرِ وَحْدَهُ، أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ كَانَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ كُلِّ مَا صَلَّى بِرَأْيِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ رَأْيَ لَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَنْ دَلَّهُ عَلَى الْقِبْلَةِ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ بَصِيرًا وَسِعَهُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ إذَا كَانَ يُصَدِّقُهُ وَتَصْدِيقُهُ أَنْ لاَ يَرَى أَنَّهُ كَذَبَهُ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يَسَعُهُ أَنْ يَقْبَلَ دَلاَلَةَ مُشْرِكٍ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ قَدْ صَدَّقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوْضِعِ أَمَانَةٍ عَلَى الْقِبْلَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَطْبَقَ الْغَيْمُ لَيْلاً، أَوْ نَهَارًا لَمْ يَسَعْ رَجُلاً الصَّلاَةُ إلَّا مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْقِبْلَةِ إمَّا بِجَبَلٍ وَإِمَّا بِبَحْرٍ، أَوْ بِمَوْضِعِ شَمْسٍ إنْ كَانَ يَرَى شُعَاعًا، أَوْ قَمَرٍ إنْ كَانَ يَرَى لَهُ نُورًا، أَوْ مَوْضِعِ نَجْمٍ، أَوْ مَهَبِّ رِيحٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الدَّلاَئِلِ وَأَيُّ هَذَا كَانَ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْهِ كُلُّ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ دَلاَلَةٌ صَلَّى عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ وَأَعَادَ تِلْكَ الصَّلاَةَ إذَا وَجَدَ دَلاَلَةً وَقَلَّمَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ الدَّلاَلَةِ وَإِذَا خَلاَ مِنْهَا صَلَّى عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ وَأَعَادَ الصَّلاَةَ وَهَكَذَا إنْ كَانَ أَعْمَى مُنْفَرِدًا، أَوْ مَحْبُوسًا فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ دَخَلَ فِي حَالٍ لاَ يَرَى فِيهَا دَلاَلَةَ صَلَّى عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَلاَ تُجْزِيهِ صَلاَةٌ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَلَى وَقْتٍ وَقِبْلَةٍ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ لاَ يَصِلُ إلَى رُؤْيَةِ الدَّلاَلَةِ‏.‏

فِيمَنْ اسْتَبَانَ الْخَطَأَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إذْ آتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا غَابَ الْمَرْءُ عَنْ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي فِيهِ الْبَيْتُ فَاجْتَهَدَ فَرَأَى الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى رَآهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَلَّى حَيْثُ رَأَى آخِرًا وَلَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ رَأَى أَوَّلاً وَعَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

قَالَ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ عَلَى اجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ فِي غَيْرِهِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ مَشْرِقًا فَغَمَّتْ السَّمَاءَ سَحَابَةٌ، أَوْ أَخْطَأَ بِدَلاَلَةِ رِيحٍ، أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، أَوْ الْقَمَرُ، أَوْ النُّجُومُ فَعَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى مَشْرِقًا، أَوْ مَغْرِبًا لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ عَلَى مَا بَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْكَعْبَةَ فِي خِلاَفِ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى إلَيْهِ فَهُوَ إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى يَقِينِ صَوَابِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَقَدْ رَجَعَ إلَى يَقِينِ صَوَابِ جِهَتِهَا وَتَبَيَّنَ خَطَأُ جِهَتِهِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ صَلَّى حَيْثُ يَرَى الْبَيْتَ مُجْتَهِدًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ‏.‏

قال‏:‏ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ الشَّرْقَ كُلَّهُ وَاسْتَقْبَلَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَخْطَأَ يَقِينًا أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ وَيَقِينُ الْخَطَأِ يُوجَدُ بِالْجِهَةِ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ غَيْرُ يَقِينِ عَيْنٍ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ‏.‏

وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ تَحَرَّفَ وَهُوَ مُسْتَيْقِنُ الْجِهَةِ فَالتَّحَرُّفُ لاَ يَكُونُ يَقِينَ خَطَأٍ وَذَلِكَ أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ قَرِيبًا‏:‏ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ شَرْقًا فَاسْتَقْبَلَ الشَّرْقَ، ثُمَّ رَأَى قِبْلَتَهُ مُنْحَرِفَةً عَنْ جِهَتِهِ الَّتِي اسْتَقْبَلَ يَمِينًا، أَوْ يَسَارًا وَتِلْكَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ مُشْرِقَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إنْ صَلَّى أَنْ يُعِيدَ وَلاَ إنْ كَانَ فِي صَلاَةٍ أَنْ يُلْغِيَ مَا مَضَى مِنْهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ إلَى اجْتِهَادِهِ الْآخَرِ فَيُكْمِلَ صَلاَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ يَقِينِ خَطَأٍ إلَى يَقِينِ صَوَابِ جِهَةٍ وَلاَ عَيْنٍ وَإِنَّمَا رَجَعَ مِنْ اجْتِهَادِهِ بِدَلاَلَةٍ إلَى اجْتِهَادٍ بِمِثْلِهَا يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ الْأَوَّلُ أَصْوَبَ مِنْ الْآخَرِ غَيْرَ أَنَّهُ إنَّمَا كُلِّفَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ صَلاَتِهِ حَيْثُ يَدُلُّهُ اجْتِهَادُهُ عَلَى الْقِبْلَةِ‏.‏

قال‏:‏ وَهَكَذَا إنْ رَأَى بَعْدَ الِاجْتِهَادِ الثَّانِي وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ أَنَّهُ انْحَرَفَ قَلِيلاً يَنْحَرِفُ إلَى حَيْثُ يَرَى تَكْمُلُ صَلاَتُهُ وَاعْتَدَّ بِمَا مَضَى فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَعْمَى انْحَرَفَ الْأَعْمَى بِتَحَرُّفِهِ وَلاَ يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُنْتَقَضُ فِيهِ صَلاَتُهُ بِيَقِينِ خَطَأِ الْقِبْلَةِ تُنْتَقَضُ صَلاَةُ الْأَعْمَى مَعَهُ إذَا أَعْلَمَهُ فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ ذَلِكَ فِي مَقَامِهِ فَأَعْلَمَهُ إيَّاهُ بَعْدُ أَعَادَ الْأَعْمَى‏.‏

وَإِنْ اجْتَهَدَ بَصِيرٌ فَتَوَجَّهَ، ثُمَّ عَمِيَ بَعْدَ التَّوَجُّهِ فَلَهُ أَنْ يَمْضِي عَلَى جِهَتِهِ فَإِنْ اسْتَدَارَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ أَدَارَهُ غَيْرُهُ قَبْلَ أَنْ تَكْمُلَ صَلاَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَلاَتِهِ وَيَسْتَقْبِلَ لَهَا اجْتِهَادًا بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ صَلَّاهَا وَأَعَادَهَا مَتَى وَجَدَ مُجْتَهِدًا بَصِيرًا غَيْرَهُ‏.‏

وَإِنْ اجْتَهَدَ مُجْتَهِدٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ فَرَأَوْا الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعٍ فَصَلَّوْا إلَيْهَا جَمَاعَةً وَأَبْصَرَ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ أَنْ قَدْ أَخْطَأَ وَأَنَّ الْقِبْلَةَ مُنْحَرِفَةٌ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ انْحِرَافًا قَرِيبًا انْحَرَفَ إلَيْهِ فَصَلَّى لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ إمَامَةِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْإِمَامُ صَلاَتَهُ وَصَارَ إمَامًا لِنَفْسِهِ فَصَلاَتُهُ مُجْزِيَةٌ عَنْهُ بَنَى عَلَى صَلاَتِهِ وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ مُذْ خَرَجَ إلَى إمَامَةِ نَفْسِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلاَةِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ عَلَيْهِ اسْتَأْنَفَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلاَةَ وَيَسْتَقْبِلَ حَيْثُ رَأَى الْقِبْلَةَ‏.‏

قال‏:‏ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ أَوَّلِ صَلاَتِهِ وَآخِرِهَا مَا لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الصَّلاَةِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ رَأَى الْقِبْلَةَ مُنْحَرِفَةً عَنْ حَيْثُ تَوَجَّهَ تَوَجَّهَ إلَى حَيْثُ رَأَى وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ وَرَاءَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِتَوَجُّهِهِ إلَّا أَنْ يَرَى مِثْلَ رَأْيِهِ فَمَنْ حَدَثَ لَهُ مِنْهُمْ مِثْلُ رَأْيِهِ تَوَجَّهَ بِتَوَجُّهِهِ وَمَنْ لَمْ يَرَ مِثْلَ رَأْيِهِ خَرَجَ مِنْ إمَامَتِهِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلاَتِهِ مُنْفَرِدًا وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَ هَذَا وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِمَامَ أَخْرَجَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ إمَامَتِهِمْ فَلاَ يُفْسِدُ ذَلِكَ صَلاَتَهُمْ بِحَالٍ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ صَلاَةَ نَفْسِهِ، أَوْ انْصَرَفَ لِرُعَافٍ، أَوْ غَيْرِهِ بَنَوْا؛ لِأَنَّهُ مُخْرِجُ نَفْسِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ لاَ هُمْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُخْرِجُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ إمَامَتِهِ لاَ هُوَ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْأَوَّلِينَ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَبْنُوا عَلَى صَلاَتِهِمْ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ فَثُبُوتُهُ عَلَى مَا فَعَلَ قَدْ يَكُونُ إخْرَاجًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ وَبِهِ أَقُولُ‏.‏

وَإِذَا اجْتَهَدَ الرَّجُلُ فِي الْقِبْلَةِ فَدَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، ثُمَّ شَكَّ وَلَمْ يَرَ الْقِبْلَةَ فِي غَيْرِ اجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ مَضَى عَلَى صَلاَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قِبْلَةٍ مَا لَمْ يَرَ غَيْرَهَا وَالْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَإِذَا اجْتَهَدَ بِالْأَعْمَى فَوَجَّهَهُ لِلْقِبْلَةِ فَرَأَى الْقِبْلَةَ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي وُجِّهَ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ حَيْثُ رَأَى؛ لِأَنَّهُ لاَ رَأْيَ لَهُ وَإِنْ قَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَدْ أَخْطَأَ بِكَ الَّذِي اجْتَهَدَ لَكَ فَصَدَّقَهُ انْحَرَفَ إلَى حَيْثُ يَقُولُ لَهُ غَيْرُهُ وَمَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ مُجْزِئٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ بِهِ مَنْ لَهُ قَبُولُ اجْتِهَادِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا حُبِسَ الرَّجُلُ فِي ظُلْمَةٍ وَحَيْثُ لاَ دَلاَلَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلاَ دَلِيلَ يُصَدِّقُهُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى يَتَأَخَّى وَيُصَلِّي عَلَى أَكْثَرِ مَا عِنْدَهُ وَيُعِيدُ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بِلاَ دَلاَلَةٍ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ يَسَعُ الْبَصِيرَ إذَا عَمِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَلَةُ اجْتِهَادُ غَيْرِهِ فَإِنْ أَخْطَأَ بِهِ الْمُجْتَهِدُ لَهُ الْقِبْلَةَ فَدَلَّهُ عَلَى جِهَةِ مُشَرَّقَةٍ وَالْقِبْلَةُ مُغَرَّبَةٌ أَعَادَ كُلَّ مَا صَلَّى وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَخْطَأَ بِهِ قَرِيبًا مُنْحَرِفًا أَحْبَبْت أَنْ يُعِيدَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي حَالِهِ تِلْكَ لَهُ إذَا صَدَّقَهُ كَاجْتِهَادِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى دَلاَلَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ يُفَارِقُ الْأَعْمَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَلَوْ أَنَّ بَصِيرًا اجْتَهَدَ لِأَعْمَى، ثُمَّ قَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَدْ أَخْطَأَ بِكَ فَشَرِّقَ، وَالْقِبْلَةُ مُغَرَّبَةٌ فَلَمْ يَدْرِ لَعَلَّهُ صَدَقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْأَوَّلِ كَخَبَرِ الْآخَرِ إذَا كَانَا عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَأَيُّهُمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَذِبِ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ‏.‏

قَالَ وَالْبَصِيرُ إنَّمَا يُصَلِّي بِيَقِينٍ، أَوْ اجْتِهَادِ نَفْسِهِ وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ شَاكٌّ لاَ يَرَى الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ أَعَادَ وَلاَ تُجْزِئُهُ الصَّلاَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَهُوَ يَرَى الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَوْضِعَانِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَصَلَّى حَيْثُ يَرَاهَا فَإِنْ صَلَّى وَلاَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَعَادَ وَكَذَلِكَ لَوْ افْتَتَحَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ، ثُمَّ رَآهَا حَيْثُ افْتَتَحَ فَمَضَى عَلَى صَلاَتِهِ أَعَادَ لاَ تُجْزِئُهُ حَتَّى يَفْتَتِحَهَا حَيْثُ يَرَاهَا‏.‏

باب الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجُوزُ فِيهِمَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ الْحَالاَنِ اللَّذَانِ يَجُوزُ فِيهِمَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ‏}‏ إلَى ‏{‏فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ قَالَ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ خَائِفِينَ مَحْرُوسِينَ بِالصَّلاَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ لِلْجِهَةِ الَّتِي وَجَّهَهُمْ لَهَا مِنْ الْقِبْلَةِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏ إلَى رُكْبَانًا فَدَلَّ إرْخَاصُهُ فِي أَنْ يُصَلُّوا رِجَالاً وَرُكْبَانًا عَلَى أَنَّ الْحَالَ الَّتِي أَذِنَ لَهُمْ فِيهَا بِأَنْ يُصَلُّوا رِجَالاً وَرُكْبَانًا مِنْ الْخَوْفِ غَيْرُ الْحَالِ الْأُولَى الَّتِي أَمَرَهُمْ فِيهَا أَنْ يَحْرُسَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْخَوْفَيْنِ مُخْتَلِفَانِ وَأَنَّ الْخَوْفَ الْآخَرَ الَّذِي أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ أَنْ يُصَلُّوا رِجَالاً وَرُكْبَانًا لاَ يَكُونُ إلَّا أَشَدَّ مِنْ الْخَوْفِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا حَيْثُ تَوَجَّهُوا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَقُعُودًا عَلَى الدَّوَابِّ وَقِيَامًا عَلَى الْأَقْدَامِ، وَدَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَةِ الْخَوْفِ قَالَ‏:‏ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ، ثُمَّ قَصَّ الْحَدِيثَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلُّوا رِجَالاً وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ نَافِعٌ مَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ فِي صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ إلَّا عِنْدَ إطْلاَلِ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَدُنُوِّ الزَّحْفِ مِنْ الزَّحْفِ فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوا الصَّلاَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رِجَالاً وَرُكْبَانًا فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَإِلَّا صَلَّوْا مُسْتَقْبِلِي حَيْثُ يَقْدِرُونَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى رُكُوعٍ وَلاَ سُجُودٍ، أَوْمَئُوا إيمَاءً، وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبَهُمْ الْعَدُوُّ فَأَطَلُّوا عَلَيْهِمْ صَلَّوْا مُتَوَجِّهِينَ عَلَى دَوَابِّهِمْ يُومِئُونَ إيمَاءً وَلاَ يَجُوزُ لَهُمْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْحَالَيْنِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلاَ تَيَمُّمٍ وَلاَ يُنْقِصُونَ مِنْ عَدَدِ الصَّلاَةِ شَيْئًا وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِتَيَمُّمٍ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا؛ لِأَنَّهُ مَحُولٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَسَوَاءٌ أَيْ عَدُوٌّ أَطَلَّ عَلَيْهِمْ أَكُفَّارٌ أَمْ لُصُوصٌ أَمْ أَهْلُ بَغْيٍ أَمْ سِبَاعٌ أَمْ فَحَوْلُ إبِلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُخَافُ إتْلاَفُهُ وَإِنْ طَلَبَهُمْ الْعَدُوُّ فَنَأَوْا عَنْ الْعَدُوِّ حَتَّى يُمْكِنَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا بِلاَ خَوْفِ أَنْ يُرْهَقُوا لَمْ يَكُنْ إلَّا النُّزُولُ وَالصَّلاَةُ بِالْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ خَافُوا الرَّهَقَ صَلَّوْا رُكْبَانًا وَإِنْ صَلَّوْا رُكْبَانًا يُومِئُونَ بِبَعْضِ الصَّلاَةِ، ثُمَّ أَمِنُوا الْعَدُوَّ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْزِلُوا فَيُصَلُّوا مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلاَةِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ اسْتَأْنَفُوا الصَّلاَةَ بِالْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا الصَّلاَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي سَفَرٍ يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلاَةُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ طَالِبِي الْعَدُوِّ فَطَلَبُوهُمْ طَلَبًا لَمْ يَأْمَنُوا رَجْعَةَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ فِيهِ صَلَّوْا هَكَذَا، وَإِنْ كَانُوا إذَا وَقَفُوا عَنْ الطَّلَبِ، أَوْ رَجَعُوا أَمِنُوا رَجْعَتَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَنْزِلُوا فَيُصَلُّوا وَيَدَعُوا الطَّلَبَ فَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوهُمْ وَيَدَعُوا الصَّلاَةَ بِالْأَرْضِ إذَا أَمْكَنَهُمْ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ نَافِلَةٌ فَلاَ تُتْرَكُ لَهَا الْفَرِيضَةُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَا وَصَفْت مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلاَةِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ رُكْبَانًا وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مَظْلُومًا وَلاَ يَكُونُ هَذَا لِفِئَةٍ بَاغِيَةٍ وَلاَ رَجُلٍ قَاتِلٍ عَاصٍ بِحَالٍ وَعَلَى مَنْ صَلَّاهَا كَذَا وَهُوَ ظَالِمٌ بِالْقِتَالِ إعَادَةُ كُلِّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بِهَذِهِ الْحَالِ وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ يَقْطَعُ سَبِيلاً، أَوْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ فَخَافَ سَبُعًا، أَوْ جَمَلاً صَائِلاً صَلَّى يُومِئُ وَأَعَادَ إذَا أَمِنَ وَلاَ رُخْصَةَ عِنْدَنَا لِعَاصٍ إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ بِحَالٍ‏.‏

الْحَالُ الثَّانِيَةُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ إذَا تَطَوَّعَ رَاكِبًا أَنْ يُصَلِّيَ رَاكِبًا حَيْثُ تَوَجَّهَ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا مُتَطَوِّعًا رَاكِبًا صَلَّى النَّوَافِلَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَصَلَّاهَا عَلَى أَيِّ دَابَّةٍ قَدَرَ عَلَى رُكُوبِهَا حِمَارًا، أَوْ بَعِيرًا، أَوْ غَيْرَهُ وَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ، أَوْ السُّجُودَ، أَوْمَأَ إيمَاءً وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُسَافِرًا وَلاَ مُقِيمًا إذَا كَانَ غَيْرَ خَائِفٍ صَلاَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِحَالٍ مَكْتُوبَةً فِي وَقْتِهَا، أَوْ فَائِتَةً، أَوْ صَلاَةَ نَذْرٍ، أَوْ صَلاَةَ طَوَافٍ، أَوْ صَلاَةً عَلَى جِنَازَةٍ‏.‏

قال‏:‏ وَبِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الرَّجُلِ يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ الصَّلاَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا فَقُلْنَا لاَ يُجْزِيهِ فِيهَا إلَّا مَا يُجْزِيهِ فِي الْمَكْتُوبَاتِ مِنْ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ يَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ زَعَمْنَا أَنَّهُ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِيهَا بِلاَ إيجَابٍ لَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْوَاجِبِ وَهُوَ يَزْعُمُ كَمَا نَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي وَاجِبًا لِنَفْسِهِ إلَّا وَاجِبًا، أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مُسَافِرًا إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ وَأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَعْنِي النَّوَافِلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ‏:‏ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي كُلِّ جِهَةٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا قِبَلَ الْمَشْرِقِ‏.‏ وَإِذَا كَانَ الْمُسَافِرُ مَاشِيًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَيُكَبِّرَ ثُمَّ يَنْحَرِفَ إلَى جِهَتِهِ فَيَمْشِي فَإِذَا حَضَرَ رُكُوعُهُ لَمْ يُجْزِهِ فِي الرُّكُوعِ وَلاَ فِي السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَهِيَ عَلَى الرَّاكِبِ‏.‏

قال‏:‏ وَسُجُودُ الْقُرْآنِ وَالشُّكْرِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ نَافِلَةٌ فَلِلرَّاكِبِ أَنْ يُومِئَ بِهِ إيمَاءً وَعَلَى الْمَاشِي أَنْ يَسْجُدَ بِهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ وَلاَ يَكُونُ لِلرَّاكِبِ فِي مِصْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً إلَّا كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ إلَى قِبْلَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ وَمَا تَجْزِيهِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ فَرْضِ الْمُصَلِّينَ سَوَاءٌ إلَّا حَيْثُ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَرْخَصَ لَهُمْ‏.‏

قال‏:‏ وَسَوَاءٌ قَصِيرُ السَّفَرِ وَطَوِيلُهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ مُسَافِرًا يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مُتَطَوِّعًا كَمَا يَكُونُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ وَطَوِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ اسْمِ سَفَرٍ وَكَذَلِكَ لَوْ رَكِبَ مَحْمِلاً، أَوْ حِمَارًا، أَوْ غَيْرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ مَرْكَبُهُ وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ مُتَطَوِّعًا رَاكِبًا مُسَافِرًا ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى صَلاَتِهِ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مِصْرِهِ وَلاَ مَوْضِعِ مَقَامٍ لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْأَرْضِ وَكَذَلِكَ إذَا نَزَلَ فِي قَرْيَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى صَلاَتِهِ وَإِنْ مَرَّ بِقَرْيَةٍ فِي سَفَرِهِ لَيْسَتْ مِصْرَهُ وَلاَ يُرِيدُ النُّزُولَ بِهَا فَهِيَ مِنْ سَفَرِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِيهَا مُصَلِّيًا عَلَى بَعِيرِهِ وَإِنْ نَزَلَ فِي سَفَرِهِ مَنْزِلاً فِي صَحْرَاءَ، أَوْ قَرْيَةٍ فَسَوَاءٌ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّكُوبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّلاَةِ الَّتِي افْتَتَحَ بِإِكْمَالِهَا بِالسَّلاَمِ فَإِنْ رَكِبَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَهَا فَهُوَ قَاطِعٌ لَهَا وَلاَ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا عَلَى الْبَعِيرِ حَتَّى يَفْتَتِحَ عَلَى الْبَعِيرِ صَلاَةً بَعْدَ فِرَاقِهِ النُّزُولَ وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ مَاشِيًا وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ عَلَى الْأَرْضِ مُسَافِرًا فَأَرَادَ رُكُوبَ الْبَعِيرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَيُسَلِّمَ فَإِنْ فَعَلَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ قَطَعَ صَلاَتَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ، ثُمَّ رَكِبَ فَقَرَأَ ثُمَّ نَزَلَ فَسَجَدَ بِالْأَرْضِ كَانَ قَاطِعًا لِصَلاَتِهِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الرُّكُوبِ عَمَلٌ يَطُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الصَّلاَةِ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَاكِبًا فَأَرَادَ النُّزُولَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الصَّلاَةَ وَأَنْ يَكُونَ فِي صَلاَتِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ أَخَفُّ فِي الْعَمَلِ مِنْ الرُّكُوبِ وَإِذَا نَزَلَ رَكَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهُ فَإِذَا نَزَلَ، ثُمَّ رَكِبَ قَطَعَ الصَّلاَةَ بِالرُّكُوبِ كَمَا وَصَفْت بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ إذَا نَزَلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا فَإِنْ انْحَرَفَتْ بِهِ طَرِيقُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ وَإِنْ انْحَرَفَتْ عَنْ جِهَتِهِ حَتَّى يُوَلِّيَهَا قَفَاهُ كُلَّهُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ يَسْلُكُهَا فَقَدْ أَفْسَدَ صَلاَتَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِبْلَةُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي انْحَرَفَ إلَيْهَا وَلَوْ غَبَّتْهُ دَابَّتُهُ، أَوْ نَعَسَ فَوَلَّى طَرِيقَهُ قَفَاهُ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ فَإِنْ رَجَعَ مَكَانَهُ بَنَى عَلَى صَلاَتِهِ وَإِنْ تَطَاوَلَ سَاهِيًا، ثُمَّ ذَكَر مَضَى عَلَى صَلاَتِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ ثَبَتَ وَهُوَ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْحَرِفَ ذَاكِرًا؛ لِأَنَّهُ فِي صَلاَةٍ فَلَمْ يَنْحَرِفْ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ وَإِذَا رَكِبَ فَأَرَادَ افْتِتَاحَ الصَّلاَةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَأَخِّي الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ أَنْ يَجْعَلَ قِبْلَتَهُ حَيْثُ تَوَجَّهَ مَرْكَبُهُ فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ، وَبَعِيرُهُ وَاقِفٌ قِبَلَ الْقِبْلَةِ مُنْحَرِفًا عَنْ طَرِيقِهِ افْتَتَحَهَا عَلَى الْقِبْلَةِ وَمَضَى عَلَى بَعِيرِهِ وَإِنْ افْتَتَحَهَا وَبَعِيرُهُ وَاقِفٌ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلاَ يَفْتَتِحُهَا إلَّا وَبَعِيرُهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى قِبْلَةٍ، أَوْ إلَى طَرِيقِهِ حِينَ يَفْتَتِحُهَا، فَأَمَّا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلاَةَ‏.‏

وَلَيْسَ لِرَاكِبِ السَّفِينَةِ وَلاَ الرَّمَثِ وَلاَ شَيْءٍ مِمَّا يُرْكَبُ فِي الْبَحْرِ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ السَّفِينَةُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ غَرِقَ فَتَعَلَّقَ بِعُودٍ صَلَّى عَلَى جِهَتِهِ يُومِئُ إيمَاءً، ثُمَّ أَعَادَ كُلَّ مَكْتُوبَةٍ صَلَّاهَا بِتِلْكَ الْحَالِ إذَا صَلَّاهَا إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى إلَى قِبْلَةٍ بِتِلْكَ الْحَالِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يُومِئُ وَلاَ يُعِيدُ لِلضَّرُورَةِ وَيُصَلِّي مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ لِلضَّرُورَةِ فَيُعِيدُ قِيلَ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ مَكْتُوبَةً بِحَالٍ‏.‏

باب الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَأُسَامَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَأَلْت بِلاَلاً مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى قَالَ وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ يَوْمئِذٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَيُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ النَّافِلَةَ وَالْفَرِيضَةَ وَأَيُّ الْكَعْبَةِ اسْتَقْبَلَ الَّذِي يُصَلِّي فِي جَوْفِهَا فَهُوَ قِبْلَةٌ كَمَا يَكُونُ الْمُصَلِّي خَارِجًا مِنْهَا إذَا اسْتَقْبَلَ بَعْضَهَا كَانَ قِبْلَتَهُ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ بَابَهَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بُنْيَانِهَا يَسْتُرُهُ لَمْ يُجْزِهِ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى وَرَاءَ ظَهْرِهَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ بُنْيَانِهَا شَيْءٌ يَسْتُرُهُ لَمْ يُجْزِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ وَإِنْ بُنِيَ فَوْقَهَا مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّيَ فَصَلَّى فَوْقَهَا أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِيهَا نَافِلَةً جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً وَلاَ مَوْضِعَ أَطْهَرُ مِنْهَا وَلاَ أَوْلَى بِالْفَضْلِ، إلَّا أَنَّا نُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ خَارِجٌ مِنْهَا فَأَمَّا الصَّلاَةُ الْفَائِتَةُ فَالصَّلاَةُ فِيهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّلاَةِ خَارِجًا مِنْهَا وَكُلُّ مَا قَرُبَ مِنْهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا بَعُدَ‏.‏

باب النِّيَّةِ فِي الصَّلاَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّلَوَاتِ وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَوَقْتَهَا وَمَا يُعْمَلُ فِيهِنَّ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَأَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُنَّ نَافِلَةً وَفَرْضًا فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ‏}‏، ثُمَّ أَبَانَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ بَيِّنًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إذَا كَانَ مِنْ الصَّلاَةِ نَافِلَةٌ وَفَرْضٌ وَكَانَ الْفَرْضُ مِنْهَا مُؤَقَّتًا أَنْ لاَ تُجْزِيَ عَنْهُ صَلاَةٌ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهَا مُصَلِّيًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَانَ عَلَى الْمُصَلِّي فِي كُلِّ صَلاَةٍ وَاجِبَةٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا مُتَطَهِّرًا وَبَعْدَ الْوَقْتِ وَمُسْتَقْبِلاً لِلْقِبْلَةِ وَيَنْوِيَهَا بِعَيْنِهَا وَيُكَبِّرَ فَإِنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ تُجْزِهِ صَلاَتُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالنِّيَّةُ لاَ تَقُومُ مَقَامَ التَّكْبِيرِ وَلاَ تَجْزِيهِ النِّيَّةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ التَّكْبِيرِ لاَ تَتَقَدَّمُ التَّكْبِيرَ وَلاَ تَكُونُ بَعْدَهُ فَلَوْ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ بِنِيَّةٍ، ثُمَّ عَزَبَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ بِنِسْيَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ كَبَّرَ وَصَلَّى لَمْ تُجْزِهِ هَذِهِ الصَّلاَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى صَلاَةً بِعَيْنِهَا ثُمَّ عَزَبَتْ عَنْهُ نِيَّةُ الصَّلاَةِ الَّتِي قَامَ لَهَا بِعَيْنِهَا وَثَبَتَتْ نِيَّتُهُ عَلَى أَدَاءِ صَلاَةٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إمَّا صَلاَةٌ فِي وَقْتِهَا وَإِمَّا صَلاَةٌ فَائِتَةٌ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الصَّلاَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا بِعَيْنِهَا وَهِيَ لاَ تُجْزِيهِ حَتَّى يَنْوِيَهَا بِعَيْنِهَا لاَ يَشُكُّ فِيهَا وَلاَ يَخْلِطُ بِالنِّيَّةِ سِوَاهَا وَكَذَلِكَ لَوْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ لَمْ يَدْرِ أَهِيَ الظُّهْرُ، أَوْ الْعَصْرُ فَكَبَّرَ يَنْوِي الصَّلاَةَ الْفَائِتَةَ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ صَلاَةٍ بِعَيْنِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا فَاتَتْ الرَّجُلَ صَلاَةٌ لَمْ يَدْرِ أَيَّ صَلاَةٍ هِيَ بِعَيْنِهَا صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ يَنْوِي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ الصَّلاَةَ الْفَائِتَةَ لَهُ‏.‏

وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلاَتَانِ يَعْرِفُهُمَا فَدَخَلَ فِي إحْدَاهُمَا بِنِيَّةٍ، ثُمَّ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَيَّتَهمَا نَوَى وَصَلَّى لَمْ تُجْزِهِ هَذِهِ الصَّلاَةُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَلاَ تُجْزِيهِ الصَّلاَةُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الَّتِي نَوَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ بِعَيْنِهَا بِنِيَّةٍ، ثُمَّ عَزَبَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ فَصَلَّى الصَّلاَةَ أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا وَالنِّيَّةُ مُجْزِئَةٌ لَهُ وَعُزُوبُ النِّيَّةِ لاَ يُفْسِدُهَا إذَا دَخَلَهَا وَهِيَ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ إذَا لَمْ يَصْرِفْ النِّيَّةَ عَنْهَا‏.‏

وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ فِي صَلاَةٍ بِنِيَّةٍ، ثُمَّ صَرَفَ النِّيَّةَ إلَى صَلاَةٍ غَيْرِهَا، أَوْ صَرَفَ النِّيَّةَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا، ثُمَّ أَعَادَ النِّيَّةَ إلَيْهَا فَقَدْ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَسَاعَةَ يَصْرِفُ النِّيَّةَ عَنْهَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَهَا بِنِيَّةٍ، ثُمَّ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَيَعْمَلُ فِيهَا أَمْ يَدَعُ‏؟‏ فَسَدَتْ عَلَيْهِ إذَا أَزَالَ نِيَّتَهُ عَنْ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا بِحَالٍ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي نَوَى، ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ وَلَمْ يَصْرِفْهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذِكْرُ النِّيَّةِ فِي كُلِّ حِينٍ فِيهَا إذَا دَخَلَ بِهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَ مُسْتَيْقِنًا أَنَّهُ دَخَلَهَا بِنِيَّةٍ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ دَخَلَهَا بِنِيَّةٍ أَمْ لاَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا عَمَلاً أَجْزَأَتْهُ وَالْعَمَلُ فِيهَا قِرَاءَةٌ، أَوْ رُكُوعٌ، أَوْ سُجُودٌ وَلَوْ كَانَ شَكُّهُ هَذَا وَقَدْ سَجَدَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ فِيهَا كَانَ هَذَا عَمَلاً وَإِذَا عَمِلَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهَا وَهُوَ شَاكٌّ فِي نِيَّتِهِ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهَا شَيْئًا أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ‏.‏

وَلَوْ دَخَلَ الصَّلاَةَ بِنِيَّةٍ، ثُمَّ صَرَفَ النِّيَّةَ إلَى صَلاَةٍ غَيْرِهَا نَافِلَةٍ، أَوْ فَرِيضَةٍ فَتَمَّتْ نِيَّتُهُ عَلَى الصَّلاَةِ الَّتِي صَرَفَهَا إلَيْهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ الصَّلاَةُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلَ فِيهَا يَنْوِيهَا؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ النِّيَّةَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا وَلاَ تُجْزِيهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَرَفَ إلَيْهَا النِّيَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهَا وَإِنْ نَوَاهَا وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَنْوِ صَلاَةً بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَوَاهَا لَمْ تُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَهَا بِالنِّيَّةِ‏.‏

وَلَوْ فَاتَتْهُ ظُهْرٌ وَعَصْرٌ فَدَخَلَ فِي الظُّهْرِ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لَمْ تُجْزِهِ صَلاَتُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ النِّيَّةَ لِلظُّهْرِ وَلاَ الْعَصْرِ‏.‏

وَلَوْ فَاتَتْهُ ظُهْرٌ وَعَصْرٌ فَدَخَلَ فِي الظُّهْرِ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لَمْ تُجْزِهِ صَلاَتُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ النِّيَّةَ لِلظُّهْرِ وَلاَ الْعَصْرِ‏.‏

وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ لاَ يَدْرِي أَيَّ صَلاَةٍ هِيَ فَكَبَّرَ يَنْوِيهَا لَمْ تُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهَا بِعَيْنِهَا‏.‏

باب مَا يَدْخُلُ بِهِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ التَّكْبِيرِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الْوُضُوءُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَنْ أَحْسَنَ التَّكْبِيرَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ نَفْسِهِ، وَالتَّكْبِيرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ يَكُونُ دَاخِلاً بِغَيْرِ التَّكْبِيرِ نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ الْكَبِيرُ اللَّهُ الْعَظِيمُ، أَوْ اللَّهُ الْجَلِيلُ، أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ مَا ذَكَرَ اللَّهَ بِهِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ نَفْسِهِ وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَعْظَمُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا فَقَدْ كَبَّرَ وَزَادَ شَيْئًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصَّلاَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَالزِّيَادَةُ نَافِلَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَهَكَذَا التَّكْبِيرُ وَزِيَادَةُ الْأَلْفِ وَاللَّامِ لاَ تُحِيلُ مَعْنَى التَّكْبِيرِ وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ التَّكْبِيرَ بِالْعَرَبِيَّةِ كَبَّرَ بِلِسَانِهِ مَا كَانَ وَأَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّكْبِيرَ وَالْقُرْآنَ وَالتَّشَهُّدَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ عَلِمَ لَمْ تُجْزِهِ صَلاَتُهُ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَأَلْسِنَةً سِوَاهَا فَأَتَى بِالتَّكْبِيرِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ إنَّمَا يَجْزِيهِ التَّكْبِيرُ بِلِسَانِهِ مَا لَمْ يُحْسِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِذَا أَحْسَنَهَا لَمْ يُجْزِهِ التَّكْبِيرُ إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَنْ قَالَ كَلِمَةً مِمَّا وَصَفْت أَنَّهُ لاَ يَكُونُ دَاخِلاً بِهَا فِي الصَّلاَةِ، أَوْ أَغْفَلَ التَّكْبِيرَ فَصَلَّى فَأَتَى عَلَى جَمِيعِ عَمَلِ الصَّلاَةِ مُنْفَرِدًا، أَوْ إمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا أَعَادَ الصَّلاَةَ‏.‏

وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَمَا يُصَلِّي رَكْعَةً، أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ مَكَانَهُ يَنْوِي بِهِ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَأَلْغَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ وَكَانَ حِينَ كَبَّرَ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ وَلاَ أُبَالِي أَنْ لاَ يُسَلِّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ إمَامٍ، أَوْ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ الِاسْتِئْنَافُ وَلاَ يَزُولُ مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ زَالَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَكَذَلِكَ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ، ثُمَّ يَكُونُ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ مِنْ سَاعَتِهِ الَّتِي كَبَّرَ فِيهَا وَلاَ يَمْضِي فِي صَلاَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلدُّخُولِ فِيهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَأَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، أَوْ رَاكِعًا فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً فَإِنْ نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ أَجْزَأَتْهُ وَكَانَ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ وَإِنْ نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ وَإِنْ كَبَّرَ لاَ يَنْوِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الصَّلاَةِ وَإِنْ كَبَّرَ يَنْوِي تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَجَعَلَ النِّيَّةَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ التَّكْبِيرِ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا ذَكَرَ فِيمَا ذَكَرْت أَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ بِهِ فِي الصَّلاَةِ فَاسْتَأْنَفَ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً يَنْوِي بِهَا الِافْتِتَاحَ كَانَ حِينَئِذٍ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ وَإِنْ ذَكَرَ فِيمَا قُلْت هُوَ فِيهِ دَاخِلاً فِي نَافِلَةٍ وَكَبَّرَ يَنْوِي الْمَكْتُوبَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَكْتُوبَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي صَلاَةٍ حَتَّى يُسَلِّمَ مِنْهَا، ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بِتَكْبِيرٍ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ النَّافِلَةِ‏.‏

وَلَوْ كَبَّرَ وَنَوَى الْمَكْتُوبَةَ وَلَيْسَ فِي صَلاَةٍ وَهُوَ رَاكِعٌ لَمْ يُجْزِهِ وَلاَ يَجْزِيهِ حَتَّى يُكَبِّرَ قَائِمًا فَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَدْ فَاتَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ‏.‏

قال‏:‏ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا يَنْوِي الْمَكْتُوبَةَ وَلاَ يَكُونُ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ إلَّا بِمَا وَصَفْت، وَإِنْ نَقَّصَ مِنْ التَّكْبِيرِ حَرْفًا لَمْ يَكُنْ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ إلَّا بِإِكْمَالِهِ التَّكْبِيرَ قَائِمًا‏.‏

وَلَوْ أَبْقَى مِنْ التَّكْبِيرِ حَرْفًا أَتَى بِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، أَوْ مُنْحَنٍ لِلرُّكُوعِ، أَوْ غَيْرُ قَائِمٍ لَمْ يَكُنْ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ وَكَانَ دَاخِلاً فِي نَافِلَةٍ حَتَّى يَقْطَعَ بِسَلاَمٍ، ثُمَّ يَعُودَ قَائِمًا فَيُكْمِلَ التَّكْبِيرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَمْ يَنْطِقْ بِالرَّاءِ مِنْ التَّكْبِيرِ إلَّا رَاكِعًا، أَوْ يَحْذِفَ الرَّاءَ فَلَمْ يَنْطِقْ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُكْمِلاً لِلتَّكْبِيرِ وَإِنْ قَالَ الْكَبِيرُ اللَّهُ لَمْ أَرَهُ دَاخِلاً فِي الصَّلاَةِ بِهَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لاَ تَجْزِيهِ الصَّلاَةُ إلَّا بِهِ قَدَّمَ مِنْهُ وَأَخَّرَ وَأَتَى عَلَيْهِ رَأَيْت أَنْ يُعِيدَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ مُتَتَابِعًا كَمَا أُنْزِلَ وَإِذَا كَانَ بِالْمُصَلِّي خَبَلُ لِسَانٍ حَرَّكَهُ بِالتَّكْبِيرِ مَا قَدَرَ وَبَلَغَ مِنْهُ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الَّذِي قَدْ أَطَاقَ مِنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْأَخْرَسُ وَمَقْطُوعُ اللِّسَانِ وَمَنْ بِلِسَانِهِ عَارِضٌ مَا كَانَ، وَهَكَذَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَالذِّكْرِ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ وَيُبَيِّنَهُ وَلاَ يَمْطُطْهُ وَلاَ يَحْذِفْهُ وَلِلْمَأْمُومِ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَّا الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُسْمِعُهُ نَفْسَهُ وَمَنْ إلَى جَنْبِهِ إنْ شَاءَ لاَ يُجَاوِزُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَلاَ الْمَأْمُومُ وَأَسْمَعَاهُ أَنْفُسَهُمَا أَجْزَأَهُمَا وَإِنْ لَمْ يُسْمِعَاهُ أَنْفُسَهُمَا لَمْ يَجْزِهِمَا وَلاَ يَكُونُ تَكْبِيرًا مُجْزِئًا حَتَّى يُسْمِعَاهُ أَنْفُسَهُمَا وَكُلُّ مُصَلٍّ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ فِي التَّكْبِيرِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ النِّسَاءَ لاَ يُجَاوِزْنَ فِي التَّكْبِيرِ اسْتِمَاعَ أَنْفُسِهِنَّ وَإِنْ أَمَّتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ أَحْبَبْت أَنْ تُسْمِعَهُنَّ وَتَخْفِضَ صَوْتًا عَلَيْهِنَّ فَإِذَا كَبَّرْنَ خَفَضْنَ أَصْوَاتِهِنَّ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ‏.‏

باب مَنْ لاَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ وَأَقَلِّ فَرْضِ الصَّلاَةِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَلْيَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ لِيُكَبِّر فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَرَأَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَلْيُكَبِّرْ، ثُمَّ لِيَرْكَع حَتَّى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ لِيَرْفَع فَلْيَقُمْ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَائِمًا، ثُمَّ يَسْجُدْ حَتَّى يَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ لِيَرْفَع رَأْسَهُ فَلْيَجْلِسْ حَتَّى يَطْمَئِنَّ جَالِسًا فَمَنْ نَقَصَ مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا يُنْقِصُ مِنْ صَلاَتِهِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَعِدْ صَلاَتَك فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَعَادَ فَصَلَّى كَنَحْوٍ مِمَّا صَلَّى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَعِدْ صَلاَتَك فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»‏:‏فَقَالَ عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أُصَلِّي‏؟‏ قَالَ‏:‏ «إذَا تَوَجَّهْت إلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ فَإِذَا رَكَعْت فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَمَكِّنْ رُكُوعَكَ وَامْدُدْ ظَهْرَكَ فَإِذَا رَفَعْت فَأَقِمْ صُلْبَكَ وَارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إلَى مَفَاصِلِهَا فَإِذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ سُجُودَكَ فَإِذَا رَفَعْت فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى، ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ حَتَّى تَطْمَئِنَّ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ يَقْرَأُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَحْمَدَهُ وَيُكَبِّرَهُ وَلاَ يُجْزِيهِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ يَقْرَأُ إلَّا ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْقِرَاءَةِ مَنْ يُحْسِنُهَا وَكَذَلِكَ خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ مَنْ يُطِيقُهَا وَيَعْقِلُهَا وَإِذْ لَمْ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَأَحْسَنَ غَيْرَهَا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِلاَ قِرَاءَةٍ وَأَجْزَأَهُ فِي غَيْرِهَا بِقَدْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ لاَ يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ سَبْعِ آيَاتٍ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَزِيدَ إنْ أَحْسَنَ، وَأَقَلُّ مَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ آيَةً حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَآيَةٍ وَلاَ يَبِينُ لِي إنْ اقْتَصَرَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ إنْ أَحْسَنَهَا، أَوْ غَيْرَهَا وَقَدْرَهَا إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةً فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ سَبْعَ آيَاتٍ وَأَحْسَنَ أَقَلَّ مِنْهُنَّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ بِمَا أَحْسَنَ كُلَّهُ إذَا كَانَ سَبْعَ آيَاتٍ، أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ قَرَأَ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَعَادَ الرَّكْعَةَ الَّتِي لَمْ يُكْمِلْ فِيهَا سَبْعَ آيَاتٍ إذَا أَحْسَنَهُنَّ وَسَوَاءٌ كَانَ الْآيُ طِوَالاً، أَوْ قِصَارًا لاَ يُجْزِيهِ إلَّا بِعَدَدِ آيِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَسَوَاءٌ كُنَّ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ لاَ يُجْزِيهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِسَبْعِ آيَاتٍ إذَا أَحْسَنَ سَبْعًا، أَوْ ثَمَانِيًا وَكَانَ أَقَلُّ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِسَبْعِ آيَاتٍ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ سَبْعًا ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ مَا أَحْسَنَ وَلاَ يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ الْعَظِيمَ فَإِذَا جَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْزَأَهُ مَعَ مَا يُحْسِنُ وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ حِينَ لاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِصَلاَةٍ بِلاَ ذِكْرٍ عَقَلْت أَنَّهُ إذَا أَحْسَنَ أُمَّ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ سُنَّةُ الصَّلاَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَوْجَبَ مِنْ الذِّكْرِ غَيْرُهُ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الرَّجُلُ أُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَإِنْ أَمَّهُ لَمْ تَجُزْ لِلْمَأْمُومِ صَلاَتُهُ وَأَجْزَأَتْ الْإِمَامَ فَإِذَا أَحْسَنَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُحْسِنْ غَيْرَهَا لَمْ أُحِبَّ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ يُحْسِنُهَا وَأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِنْ فَعَلَ فَلاَ يَبِينَ لِي أَنْ يُعِيدَ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهَا إنْ انْتَهَى إلَيْهَا فَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ يُعِيدَ مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا وَلاَ أُحِبُّ إلَّا أَنْ يُزَادَ مَعَهَا آيَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ لاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَلاَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ مَنْ لاَ يُحْسِنُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ لاَ يُحْسِنُ أَحَدًا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَمَنْ أَحْسَنَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَؤُمَّ مِمَّنْ لاَ يُحْسِنُ وَمَنْ أَحْسَنَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ آيَاتٍ فَأَمَّ، أَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا رَدَّدَ بَعْضَ الْآيِ حَتَّى يَقْرَأَ بِهِ سَبْعَ آيَاتٍ، أَوْ ثَمَانِ آيَاتٍ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَلاَ يَجْزِيهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَّا قِرَاءَةُ مَا أَحْسَنَ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُكْمِلَ سَبْعَ آيَاتٍ، أَوْ ثَمَانِ آيَاتٍ مِنْ أَحْسَنِهِنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْفَرْضَ عَلَيْهِ فِي الصَّلاَةِ دُونَ الِاخْتِيَارِ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَتَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَلَّمَهُ الْقَوْلَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَلاَ التَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَقَوْلِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلاَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ وَلاَ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ عَلَّمَهُ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ فَالذِّكْرُ وَعَلَّمَهُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالِاعْتِدَالَ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ فِي الصَّلاَةِ وَالْقِرَاءَةَ فَلِهَذَا قُلْنَا‏:‏ مَنْ تَرَكَ افْتِتَاحَ الصَّلاَةِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَيَجْلِسُ جِلْسَةً لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا فِي الصَّلاَةِ فَقَدْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلاَتِهِ وَعَلَّمَ رَجُلاً فِي حَدِيثِ ابْنِ عَجْلاَنَ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَجَعَلَ ذَلِكَ إلَى الْقَارِئِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ فَرْضًا مَعَ مَا جَاءَ فِيهَا غَيْرُ هَذَا مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ غَيْرِهَا وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُهَا عَنْهَا وَإِنْ تَرَكَهَا وَهُوَ يُحْسِنُ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ وَإِنْ تَرَكَ غَيْرَهَا كَرِهْتُهُ لَهُ وَلاَ يَبِينُ لِي أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الصَّلاَةِ وَهُوَ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ الْقِرَاءَةَ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَآيَةً، أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ آيَةً لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «وَمَا شَاءَ اللَّهُ مَعَهَا»‏.‏ فَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ أَنْ يَقْرَأَ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ آيَةً وَإِنْ تَرَكَهَا كَرِهْتُهُ لَهُ، وَلاَ يَبِينُ لِي أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةٌ لِمَا وَصَفْت وَإِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلَّانِ عَلَى فَرْضِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلاَ دَلاَلَةَ لَهُ فِيهِمَا وَلاَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى فَرْضٍ غَيْرِهَا مَعَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْعَمْدُ فِي تَرْكِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالْخَطَأُ سَوَاءٌ فِي أَنْ لاَ تُجْزِئَ رَكْعَةٌ إلَّا بِهَا، أَوْ بِشَيْءٍ مَعَهَا إلَّا مَا يُذْكَرُ مِنْ الْمَأْمُومِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لاَ يُحْسِنُ يَقْرَؤُهَا؛ وَلِهَذَا قُلْنَا‏:‏ إنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ يَقْرَأُ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ بِلاَ قِرَاءَةٍ وَبِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ إنَّمَا ذَكَرَ الْجُلُوسَ مِنْ السُّجُودِ فَأَوْجَبْنَا التَّشَهُّدَ وَالصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَحْسَنَهُ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَقَلُّ مَا عَلَى الْمَرْءِ فِي صَلاَتِهِ مَا وَصَفْنَا، وَأَكْمَلُهُ مَا نَحْنُ فِيهِ ذَاكِرُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏